"روقة" في فيلم العار هي حورية من الجنة وليست شخصية درامية

١- في العام ١٩٨٢ قدم الكاتب الكبير، محمود أبو زيد، رائعته الشهيرة، من خلال فيلم العار، حين نسج شخصية "رُوقة"، تلك المرأة الحلم.. الأنثى المعجزة.. ذات اللحظة المستحيلة التي يتمناها الرجال ويضلون إليها السبيلا، ووضعها الكاتب في الفيلم برغم علمه التام أنها غير واردة في عالم الواقع.

٢- ولأن روقة تجمع بين الصفات المثالية الأخلاقية والجسدية معا؛ إذن فالأكيد أن محمود أبو زيد اطلع على صفات الحور العين في الجنة، وحاول كتابة ملخصات لهذه الصفات من خلال مشاهد روقة مع زوجها "سي كمال" في دراما الفيلم.

٣- وقبل أن نذهب إلى الصفات الأخلاقية في روقة ــ أو بالأحرى في الحور العين ــ نذهب أولا إلى الفنانة نورا التي جسدت هذه الشخصية الملحمية الأسطورية الخرافية.

٤- نورا هي سيدة رائعة الجمال شديدة بياض البشرة، لها قوام يشبه نبات الأقحوان، بحيث يخيل إليك عندما تراها أنها تضيء في الظلام وتنير لك الليالي الحالكة بمجرد أن تتهادى أمامك في لحظة الغرام، ولها عينان ساحرتان بهما جاذبية لا يقاومها قلب رجل، ولها سلاسل شعر انسيابية بالغة النعومة تنسدل على كتفيها متحررة من الأسر والكتمان، ولها شفتان مكتنزتان تجمعان بين الدقة والكثافة والحمرة الدموية الشديدة المتوهجة المشتعلة في آنٍ معًا.

٥- قال لي صحفي كبير قابل نورا في الثمانينات، عندما كانت في فوران شبابها، إنه عندما رآها للمرة الأولى ظن أنها طَلَت وجهها بعسل النحل المصفى، وليس بطلاء الماكياج، من شدة نضارة وبريق هذا الوجه الخارق للعادة بين النساء.

٦- وفق ما أعلاه كان الكاتب محمود أبو زيد والمخرج علي عبد الخالق محظوظان بوجود نورا في هذا العصر، وموفقان لأنهما وقع اختيارهما عليها لأداء هذا الدور الملحمي، بناء على أن صفاتها الجسدية، وصوتها الدافئ المتدفق بالأنوثة والحب والعاطفة، توصل المعنى المطلوب فورا إلى ذهن المشاهد دون أدنى عناء.

٧- نعود إلى الصفات الأخلاقية لروقة، وهي التي تعنينا في هذا المقام؛ لأن كثيرا من الدعاة، بل وكثيرا من مناهضي الإسلام سواء بسواء جعلونا نضل الطريق إلى أهم ما في الحور العين بالجنة وجوهر النعيم المكنون بين كتفي الواحدة منهن.

٨- نجد مثلا أن الدعاة ركزوا على الصفات الجسدية للحور العين، مثل أنهن كواعب أترابا، وكواعب جمع كاعب، والكاعب هي الفتاة جميلة الصدر، غير أن القرآن الكريم تحدث قليلا عن الصفات الجسدية للحور العين، وأطال الحديث عن صفاتهن الأخلاقية.

٩- تحدث القرآن عن الحور ووصفهن بأنهن قاصرات الطرف، أي لا ترى الواحدة منهن إلا زوجها ولا تنظر إلى رجل غيره، كما أنهن عُرُبا أترابا، أي لا يسمع منها زوجها إلا الكلام الطيب، وهي تتفنن في ذكر محاسنه حتى لكأنه يطرب من كلماتها، كما أنهن خَيْرَاتٌ حِسَانٌ، أي يقمن بالخير ولا يفعلن الشر.

١٠- نفهم من كل ما سبق أن روقة، تلك السيدة الحلم، الأسطورية الخرافية الخارقة للعادة، التي كانت ملاذ زوجها وبين كتفيها نعيمه وهروبه الوحيد من منغصات الحياة، وتطربه بذكر محاسنه، وتتفنن في تدليله بالطعام والحب، وتحضه على الخير، وتطالبه بأن يكون بارًا بأهله، وتساعد الفقراء من أهلها، ولا تخرج من بيتها لزيارة مساجد آل الييت إلا بإذنه، ولا يراها إلا بكامل عنفوان زينتها وحسنها وعطرها، ووهبته مالها وذهبها وحياتها ومماتها، نفهم أننا أمام شخصية أخروية بكل ما في الكلمة من معنى، وليست شخصية درامية أو واقعية بأي حال من الأحوال.