في هذا الكتيب, الصغير الحجم, الذي يخط فيه العقاد تجربته مع الحب والغيرة والشك, إنها تبدأ بعد انقطاع وفرقة وخصام, ولعلها كانت هجر, ولكنه لم يدم إلا أشهر قليلة, ليستأنف الحب جريان نهريه في قلبيهما, كانت سارة همام أو العقاد امرأة من طراز خاص من النساء, والتي تجد لها الأثرة عند كل من يقابلها, ويتحدث إليها, ذكية لبقة تعرف الرجل معرفة عميقة, تعرفه لأنها أنثى, عميقة الشعور بما يؤثر الرجل من بنات حواء, تشد إليها العيون والقلوب, وتشحذ الأذهان للتفكير, في هذا الطراز من النساء, يصفها العقاد بصفات فريدة, قلما تجتمع في امرأة واحدة, ولكن ذكائها الفطري يفوق ثقافتها, ويلهمها الكثير من قراءة النفوس ومعرفة ما تحب وما تكره, أحبها لا شك في ذلك, ولكن الشك يقتل الحب, وينزل عليه بمعوله حتى ينهيه, ويقضي عليه, ربما تخدع كثير من الرجال, ولكن ليس العقاد من يُخدع, إنه يقرأ صفحات الوجوه, كما يقرأ صفحات الكتب, ويسترشد بما يرى على الكثير, مما تواريه النفوس, ويختبأ خلف العيون, فللرجل شعور وكرامة تأبى عليه أن يُستغفل, وأن يكون أرجوحة, تتلهى بها المرأة, التي يعطيها كل قلبه, ...فالمرأة أحيانا تدمن التغيير, كما يدمنه بعض الرجال, فلا يوجد رجل يشبه أخر كما لا يوجد امرأة تشبه أخرى, لكل رجل ما يفرده عن غيره من الرجال, ولكل امرأة ما يجعلها تختلف عن الأخريات, والفضول وحب الاستكشاف يكون طبع متوغل في بعض البشر, فلا يستطيع أن يكف عنه, وربما كانت المتعة الكبرى في شعورها بالتفوق على رجال كثيرين واستغفالهم في الوقت ذاته دون أن يكشفها أحد فهي تتلاعب وتستمتع وتمعن في البهجة والسعادة, حين ترى نفسها وقد ضلت ذوي الجاه أو المال أو من هم أعلى ثقافة وعلم, إنها نشوة كبرى تتغلغل في كيانها تمدها بشبق غريب نحو المزيد من هذا الشعور, وأظنها من هذا الطراز الإنساني, تقرأ أن امرأة تخون زوجها وتستشعر متعة كبيرة وسعادة, وخصوصا إذا كانت بالقرب منه, لم يكن زوجها ولكن كان حبيبها, أرتشف معا من رحيق الحب سنوات, وملأ الحب عليها الحياة بهجة وسعادة, ولكن السئم يدب في قلب الإنسان من التكرار حتى ولو كان شيء جميل ممتع, فيحتاج إلى شيء من الحرمان, حتى يستأنف قوته ويعود إليه مذاقه الحلو إلى الحلوق, وينشط له الجسد والذهن, ويعود إلى سابق عهده, ولكنه يعلو ويهبط ثم يهبط بدرجة أكبر إلى أن تشل حركته, فيظل قابع لا يستطيع الحراك ......بين سارة وهند نموذجين من النساء لو امتزجا في امرأة واحدة, لكانت هي المرأة التي تعطي للرجل, ويكتفي بها لأنها مثال للمرأة الصحيحة, أو المرأة التي يريدها الرجل, ويكتفي بها لأنها تغنيه عن كل نساء الأرض, فهي المرأة اللعوب في حجر زوجها, في بيتها, وحين تكون خارجه فهي قديسة وفية, تمنع لتعطي قرينها بلا حدود, ولكن من تتسم بالوفاء, تفقد جانب مهم من طبيعة المرأة التي يريدها الرجل, ومن تستغرقها الأنوثة تهب له ولغيره, وتعطي ولا تحجب, وتفتقد الوفاء الذي يعصمها من أن تبتذل, وتكون سلعة بين أيدي الرجال, ووسيلة لهو للكثيرين, وأن كانت تخفي على نفسها وغيرها إبتذالها ....عاش العقاد ذلك الجحيم الذي أشعلته الغيرة والشك بين ضلوعه, ونغص عليه وكدر نهر الحب من بعد صفاء, وحسم في نهاية الأمر وألقى بتراب الأرض فوق النهر ليردمه, ويطفأ ذلك الجحيم المستعر, وينهي المهزلة بقطع العلاقة وطمسها من حياته...