ما قيمة المال إذا عاش تحت ظلاله نفس بليدة أو خالية خاوية من أي معنى, يجعل لها المال قيمة في أعين فقراء النفوس والآمال, فهم إن شئت سواء في الفقر, ولكن يعمي بريق المال الخادع العيون عن الرؤية, فينال صاحب المال التكريم والتبجيل من هؤلاء الذين لا يعرفون للحياة سوى القيمة, فيما يملكون من مال, والحق أن هؤلاء أقل الناس معرفة بقيمة الحياة الحقيقة, وأكثرهم سطحية, وأضعفهم بصر وأقلهم وعيا, فللمال سلطان ومهابة لنفوسهم, حتى وإن لم ينالوا منه شيء, ولا يعود عليهم بنفع, وهم يتوجونه ويرفعون أصحابه عادة وجهلا منهم, بعدم المعرفة لعمق الحياة, وما فيها من قيمة إنسانية عليا لا علاقة لها بالمال, فيعيش الفقير الحياة الحقيقة عالما بها ومجربا, تعطي له وتأخذ ويشقى ويرتاح, يتذوق حلاوتها ومرارتها صاعدا هابطا على درجاتها, فهو أعرف ممن بات لا يعرف الحياة إلا لعبا ولهوا, مترفا لم يرى من الحياة سوى صورة تافهة, لا معنى لها, وهو ينفق على ملذته وأهوائه, هو ذلك الذي لا يعرف الحياة سوى أرقام حسابات لا تحركه إلا الصفقات, ولا يفيق إلا على مكسب أو خسارة, ويظل يلهث وراء تحقيق الملايين خادع نفسه بأن الحياة ما هي إلا رقما ضخما في البنوك ..فليس للمال كبير قيمة لمن أراد أن يحيا الحياة بجملتها, ولا هي كفيلة بمعرفة ماهية الحياة, فقيمة الحياة بمعزل لمن أن يعرفها عن قلة المال أو كثرته, فالأنبياء والمصلحين ومن هم أكثر الناس بمعرفة الحياة, هم أكثرهم قلة في امتلاك المال, وهم أكثرهم في معرفة الحياة وقيمتها, والإرشاد إليها, إنهم يسعون لهداية الناس, أن يحييون حياتهم على هدى, على يقين يهدي القلوب الحائرة, ولم يقل أحدهم أن المال سببا في انقطاع الحياة أو زيادة الشعور بها, فمن أراد أن يعرف حقيقة الحياة, عليه أن ينظر إليها مدركا مفكرا كاشفا عن أعماقها, فلا يؤخذ بمظهر ولا تستوقفه قشور, فلبابها هو المطلوب لمن أراد أن يحياها وتتكشف له قيمتها والهدف من معايشتها وإلا كانت حياته خالية من كل حياة, ناضبة جافة مصيرها الضياع.