فما المانع أن نحب قليلا, نحيا وقتا قصيرا, هناك فوق العشب, أو تحت ظل كرمة, نشرب الشاي, تجمعنا الكلمات الهاربة, حول مائدة الصمت, الذي سئمناه, علامات الزمن الذي حفرت فوق الجباه تجاعيد, أرصفة وجسور متهالكة. قال لي الطبيب, بعد أن نظر إلي نظرة طويلة, وقد حملق في قاع العين, ورأى طيفا غريبا, وأرقا حول الجفنين, قرأ ما سطرته الليالي, وما أرقته, سألني بعينيه الحانيتين, بما وقع في نفسه من رؤيتي, وضع السماعة فوق النبض المتشعب, أشار: هناك ثورة في شرايينك, هياج دمار, وضغط مرتفع, أنين قلب صامت, ألمه ضارب في العمق, خذ كثيرا من اللا مبالاة, ومن الحيطة, من السقوط, أجرع من البعد والهروب, أبتعد حتى تنتهي, حتى تبتغي, لفني المرض, في كل لحظة, وأحاطني بالخوف, عندما أشتد المرض والأرق, اشتدت كهولة المشاعر, فأنا كهل الشعور, لم يكن الموت هين, يا سيدتي, العذابات ملأت الأماكن, ونخرت في كل شيء, تعاطيت منه ألوان كثيرة, كان السواد هو اللون المخيم السائد الرائد في مسيرة الشقاء, ألأنه قال لي ذات يوم, بأنه راحل, وبأنه لن يجيء مرة أخرى, شعرت بلهجته الصادقة, تشق مسامعي, وتتوطن في نفسي, لكنه لن يستطيع, فلربما يعود نادما, يقف عند قدمي, لكنه لم يجيء, لم يفكر في الرجوع, غادر إلى الأبد, أفزعني خيالي, كنت أتوارى عنه هنا,
لما دالت دولة الحب لم يبقى سوى أثر من آثارها الباقية القليلة وقامت على أنقاضها دولة البهتان والاثرة والانانية فما من قلب الا ويخدع نفسه وما من عقل الا ويناهض حجته بحجة من نسيج الجدل الشائع لتحليل ما كان محرما وتبرير الضياع والبعد عن كل معاني الانسانية التي قضى عليها كثير من الناس يلنقضاء دولة الحي فاصبح الحب فكرا عتيقا قديما يجب ان نثور عليه لانه هو سبب تاخرنا وافة ضعفنا وجابهوه بحملات قوية طمست معالمه الشريفة فلم يبقى حتى اثر من اثارها وان بقي شيء فانما هو للعيرة لدولة كانت هنا فزالت مع تفادم العهد وانقضاء الزمن ولا شك ان زوالها زالت كل مشاعر تحس وقلب ينبض وفكر يبدع فلم نعد نرى الاشياء كما كانت ايام دولة الحب فلا النسيم هو النسيم ولا الربيع هو الربيع وتغيرت النظرة كمت تغيرت مدلولات الاشياء لن نعد نرى ما نرى فيها ولم تبقى الا احجار واوثان خدعتنا في فترة من فترات الزمن ولم يعد لها وجود في حياتنا
فقد كنا حيث كان الحب رقة وجمالا واقتدارا وابتهاجا كنا حيث كان في جمال الكون في الزهور في الصخور والوديان في تباشير الصباح في ضوء الشمس في الهواء والنسيم في الشتاء
هل يموت الحب في القلب بعد ان يصبح الانسان كهلا ما الذي يتبدل في اعماق الانسان كنا اطفالا وشباب ولا شيء يملأ حياتنا سوى الحب نلهو ونلعب ولا شيء يملأ نفوسنا سواه نطير مع الطير نضيء مع القمر نغرد مع نسمات الصباح في الليل وفي الضحى وفي مطلع الفجر ان الحب الذي كنا نتغنى به فيعيطينا معنى الحياة ويمدنا بطاقات تهدم جبال الظلام
ليس في وسع انسان ان يصد طوفان الحب اذ اجتاح عالمه فلا سبيل اليه الا الغرق فيموت حبا ويقتل عشقا هل كنت مخمورا حينما اردت الوقوف بوجه الطوفان وصممت بيني وبين نفسي ان انجو وان اصنع سفينتي فتبحر بي الى شاطيء الحياة هكذا اعتقدت وهيأ لي كبريائي باني سوف انجو واحيا بعد ان صارعت الحب فانتصرت عليه فما ان افقت حتى علمت باني رحلة في دوامة الطوفان فلا استسلمت ولا انا ارحت نفسي من عناء المكابرة فالحب كالموت يدركنا ولو كنا في بروج مشيدة هكذا ارتجفت الايدي حين خطت ذكرياتي الماضي وغصت في بحور الذكريات وطاف بنا طائف من عالم الماضي لندرك ان الماضي مازال يحيا في نفوسنا وان تراطمت عليه بعض رماد السنين الذاهبات فلايزال يطاردنا بين الحين والحين ويرسل الينا اشعة من الخواطر والافكار التي تطاردنا في اخلاقياتنا وعبث ما حاولنا الهروب منه مرات ومرات فالحنين اليه يسكن في اعماقنا وتقتحم روحنا وتتهادى حينا وتقسو احيانا
اليس غريبا ان نحب الحياة رغم ما بها من الام تحطم به ضلوعنا وتهشم احلامنا اليس جدير بنا ان نعلن العصيان والغض للحياة لا تراعي اداميتنا وتضع في تقديرها ان نملك احاسيس ومشاعر كيف نتصور الحياة بلا مكدرات تنغص علينا كيف تكون الحياة دون كفاح دون خوض غمرات المتاهب والشقاء اليس من الاجدر بنا ان نلقي بانفسنا في اتونها هل نبحث عن الهم اذا ما فقدناه هل تصفينا الهموم تثقل قلوبنا ترتفع بارواحنا تحوم في السماء كطائر عملاق