مسألة إجبار البكر البالغة الرشيدة على الزواج بمن تكره :
يرفض ابن القيم رحمه الله رفضا باتا ما أطلق عليه الفقهاء : ولاية الإجبار ، ويعنون بها أن للأب أن يزوج ابنته البكر البالغ الرشيدة بغير رضاها ، فهي عندهم كالصغيرة غير البالغة ، التي يتفق جمهورهم على أن للأب عليها ولاية إجبار على النكاح ، ويندب فقط استئذانها عند تزويجها ، قالوا لكمال شفقة الأب عليها وعلمه بمصلحتها أكثر منها ، والجد عندهم كالأب في ذلك .
يرفض ابن القيم رحمه الله هذا الكلام جملة وتفصيلا ، مخالفا مذهبه الحنبلي في هذا و منتصرا لرأي الحنفية الذين قالوا إنه لاولاية إجبار على البكر العاقلة الرشيدة مطلقا ، تفريعا على قولهم بجواز أن تزوج نفسها بغير ولي ، مؤيدا رأيه بحجة عقلية منطقية رائعة :
يقول : … وأما موافقته - يعني القول بعدم الإجبار - لقواعد شرعه ، فلأن البكر العاقلة الرشيدة لايتصرف أبوها في أقل شيء من مالها إلا برضاها ، ولايجبرها على إخراج اليسير منه دون رضاها ، فكيف يجوز له أن يرقها ،ويخرج بضعها منها إلى من يريده هو ، وهي من أكره الناس فيه "
زاد المعاد ٥/ ٧٩
حقيقة عجيب جدا أن يقرر الفقهاء جميعا أحقية البكر البالغة الرشيدة في التصرف في مالها ، على اعتبار أن لها ذمتها المالية المستقلة التي قررتها لها الشريعة الإسلامية ، ثم يقررون مايسمى بولاية الإجبار عليها مادامت بكرا .
كلام ابن القيم قوي الحجة جدا ، ويعجبني وصفه هذا التصرف بالرق ، فكان الأب هنا يبيع ابنته لزوجها ليتملكها كما يتملك الشيء مادامت حية .
والسؤال : كيف يستقيم أن نقول عن فتاة ( بكر عاقلة رشيدة ) ثم نتعامل معها بصفتها غير عاقلة ولارشيدة على هذا النحو اللاإنساني ، و في أهم قرار يخص حياتها وكينونتها على الإطلاق ( الزواج ) ؟
ويعجبني هنا رأي نسبه الشيخ أبو زهرة رحمه الله إلى عثمان البتي وابن شبرمة ، قالا: لاولاية إجبار مطلقا حتى على الصغير ، ولاولاية إلا على المجانين والمعاتهة ، فلا تصرف في شيء من حق الصغير حتى يكبر ويستأذن .
ويؤسفني أن نجد بعض الأسر لاتزال تتعامل مع الإناث وكأن الأصل فيهن هو العته ، على اعتبار أنهن ناقصات عقل ودين بالمفهوم الذي يروق لهذه الأسر .
وهو مفهوم يعوزه المنطق العقلي والإنساني ، بل وتقف ضده جميع النصوص التي أسست للكرامة الإنسانية واحترام الإنسان لكونه إنسانا .
أما عن الأحاديث التي يستدل بها من يقولون بولاية الإجبار ، فقد ناقشتها جميعا في كتابي " العرض القرآني لقضايا النكاح والفرقة " والكتاب على الإنرنت لمن يريد مزيدا من التفصيل في هذه القضية .