ما الذي تبقّى للشاعر؟
حينَ تصيرُ الذاكرةُ قفصًا،
والأحبابُ وجوهًا بلا ملامح،
وأمهُ التي كانتْ تدعو لهُ
تصيرُ نجمةً لا تُرى،
وتكفّ السماءُ عن الإصغاء.
ما الذي تبقّى؟
سوى شَعره المتناثرِ فوق وسادته،
يحكي له عن رحيل الوقتِ،
عن المعارك التي خسرها قبل أن تبدأ،
عن المدنِ التي أغلقته أبوابها
حينَ جاءَها بقلبٍ لا يعرفُ الجبن.
سوى سؤاله الأبدي:
هل الشِعرُ يكفي؟
هل يمكنُ أن تُرمَّمَ الحياةُ بقصيدة؟
هل يكفي بيتٌ واحد
كي نكفّ عن السقوطِ في الهاوية؟
ما الذي تبقّى للشاعر؟
حينَ تمرُّ القصائدُ من جانبهِ
ولا تلتفت،
كأنَّهُ ظلٌّ آخرُ،
أو لُغةٌ غريبةٌ
في كتابٍ منسيٍّ على رصيفِ المكتبة.
حينَ يُسائل اللهَ في وحدته:
لماذا خلقتَ هذا القلبَ؟
واسعًا كصحراءَ،
هشًّا كورقةِ توت؟
ما الذي تبقّى؟
أن يكتبَ ليعيش،
وأن يعيشَ ليموتَ في الكتابة.
أن يغسلَ حزنه
بماء الحروفِ،
ويُلقي ابتسامته الأخيرة
في بئرِ المعنى.
أن يكتب اسمَ حبيبته
على الغيم،
ويطمئن أن أحدًا لن يراه،
إلا إذا كان عاشقًا مثله.
أن يُهدي دمعتَهُ
لأمٍّ لم تَلدْه،
لكنّها انتظرته في القصيدة.
ما الذي تبقّى؟
تبقّى ظلّه،
ينامُ في حضنِ الحائط،
ويحلمُ بأن يكون إنسانًا
لا شاعرًا
---
إلى شاعرنا الراحل ( موفق الربيعي )