في عالم يلهث خلف الكمال، هناك دائمًا علاقات تظل غير مكتملة، كقصائدٍ نصف مكتوبة، أو نوافذٍ تفتح على غروبٍ لا يصل إلينا سوى بوهجه الخافت. العلاقة الغير مكتملة ليست مجرد مساحة فارغة بين طرفين، بل هي عوالم متقاربة تلامس أطرافها، لكنها لا تلتقي تمامًا، تخلق حالة من الشوق المعلق، وحنين بلا عنوان.
هي علاقة تحفر فينا آبارًا من الأسئلة، وترسم لنا خريطة لا نعرف إلى أين تؤدي. تبدأ بالكلمات التي تُقال بصمت، وتنمو في ظلال الغياب، حتى تصبح موجة لا تهدأ من المشاعر المتقطعة، والذكريات التي تتكرر كصدى بعيد. هذا الفراغ بين الوجود والغياب، بين اللقاء والفراق، يخلق حيزًا غامضًا يدفعنا للبحث في أنفسنا عن جواب.
هنا يبرز الصوت الداخلي، ذلك الهمس الذي لا ينقطع، الذي ينبثق من أعماقنا ليعانق الفوضى والطمأنينة معًا. الصوت الداخلي هو مرآة العلاقة الغير مكتملة، هو الشعور بالضياع والبحث، هو الصديق والصارخ والراوي الذي لا يملّ من سرد الحكاية.
يحدث الصوت الداخلي كصراع بين الأمل واليأس، بين الرغبة في الاكتمال والخوف من الانكشاف. يتساءل فينا: لماذا لم تُكتب هذه العلاقة إلى نهايتها؟ هل كان الغياب اختيارًا، أم قدرًا لا مفر منه؟ هل نحن الذين نخلق هذه الفجوات، أم أن العالم يفصل بيننا حواجز لا نرى من ورائها سوى ظلالًا تتبدد مع كل شروق؟
الصوت الداخلي هو أيضًا صوت القلب الذي لا يتوقف عن الكلام، حتى عندما تسود الصمت الكلمات، وحتى عندما تخبو الأعين، يظل ينبض فينا كنغمٍ لا يُسمع إلا في عتمة الليل. هو ذلك الحارس السري الذي يخبئ لنا أسرارنا، ويوقظنا في أحلك اللحظات، يدفعنا للسير نحو الذات، في رحلة قد تكون أكثر صعوبة من أي علاقة خارجية.
في العلاقة الغير مكتملة، يتبدى الصوت الداخلي كمرشدٍ ومرآة، يسلط الضوء على ما لم يُقال، ويرسم حدود ما يُمكن أن يكون. إنه الحوار الذي نجره مع أنفسنا حين نغيب عن الآخر، حوارٌ يكشف طبقاتنا العميقة، ويسائل طموحاتنا، وخيباتنا، وأحلامنا المتكسرة.
هذه العلاقة التي لم تكتمل تصبح دافعًا لنمو داخلي، تحفزنا على البحث عن ذاتٍ متجددة، وأصواتٍ أخرى بداخلك، ربما كانت مخفية أو مكبوتة. فالصوت الداخلي لا يصمت، حتى عندما نتوقف عن الكلام مع العالم، هو دائمًا حاضر، يوقظنا، يشعل فينا ناراً من التساؤلات، ويطلب منا أن نكون صادقين مع أنفسنا، حتى لو كان ذلك يعني أن نعترف بأن بعض العلاقات هي ببساطة دروسٌ في التقبل، لا أكتمال.
وفي النهاية، العلاقة الغير مكتملة ليست فشلًا، ولا ضعفًا، بل هي فضاء واسع من الإمكانيات، حيث يولد الإبداع والحنين، حيث نكتشف أعماقنا، ونعيد رسم حدود الحب، والوجود، والذات.
أما الصوت الداخلي، فهو النبض الذي يبقينا أحياء، وهو الشعور الذي لا يموت، حتى في غياب الآخر.