كنتُ أواسِي نفسي أحيانًا،
بأنني مجرّد ظلّ عابر على حائط الزمن،
وأنّ هذه الحياة، بكلّ صراخها،
ليست إلا غبارًا على صفحة ماء.
كنتُ أقول: العالم أكبر من أوجاعي،
وأصغر من أن يفهمها.
كلّ شيء من حولي يمضي كأنّي لست هنا،
كأنّ غيابي لن يُحدث فرقًا،
ولا حضوري يُضيف حياة.
كنت أقرأ عن المجرّات البعيدة،
وعن الثقوب السوداء التي تبتلع الضوء،
وأفكر: ما الفرق؟
أليس العالمُ نفسُهُ ثقبًا كبيرًا،
يبتلعنا واحدًا تلو الآخر، دون أن يأسف؟
أكرهُ هذا العالم،
لأنه يمرّ بي ولا يتوقف،
لأنّه حين بكيتُ،
استمرّت الشوارع في ضجيجها،
والمقاهي في ضحكها،
والمارة في تجاهلهم.
أكره العالم،
لأنه لم يسألني يومًا:
هل أنتِ بخير؟
هل يكفيك ما تبقّى من نبض؟
هل تؤلمكِ هذه الوحدة الثقيلة؟
كنتُ أقول:
سأختبئ خلف كتاب،
وربّما أجد وطنًا في جملة،
أو دفئًا في كلمة،
لكنّ الصفحات لا تردّ السلام.
وفي كلّ ليلة،
أنامُ كما ينام المنفيّ في وطنٍ لا يعرفه،
أحلم فقط…
أن أستيقظ في عالمٍ أقلّ صخبًا،
أقلّ ظلمًا،
أقلّ قسوة.
لكنني أستيقظ دائمًا في المكان ذاته،
في العالم ذاته،
في الغربة ذاتها