يا صاحب الحِصن،
هزيمتُك في بلقيسِ مملكتك كانت رَجْمَ فُرسانِ نابليون،
وكانت طَوْعَ عرشِ كسرى...
فلا يليقُ بهذا المجدِ إلاك، أيها الغيم،
الساحرُ الذي يلاعب قلوبَ الحيارى،
ويُقيمُ في وريده حصنُ "سهر الليالي"،
وقد رمى إلى عقر داري بلقاحٍ يشبه مداواةً لا شفاءَ بعدها.
فكيف أُشفيك من مشهى الحرف، يا غيمَ بلقيس؟
كن للحنين والاشتياقِ رمزًا،
قُمْ للصلاة في محرابِ مملكتي،
عانقْ سراديبَ مجازِ عرشِك،
ودَعْ بلاغتَك تهشّم أوصالَ القلب...
نُسبّح، يا شهريار، من مَعينِ أبجديتِك العصماء،
حتى سكرنا في سهوبِ الروح،
يا غيمةَ الخيرِ السخي،
فصولُك الأربعُ أرعبتْ أقلامَ جِنسِك حتى التلاشي،
فلا سابقَك فذٌّ، ولا شبيهَ لك لاحق.
يا صاحبَ المصباح،
المتلاعِبُ بنزقِ الفكر، وخوابي القصائد،
وآهٍ من مواويلك،
أثملتْ فينا الأخضرَ... واليابس.
وأنا التي حسبتُ أنّي بلغتُ من اللغة ما يحميني من الانبهار...
فإذ بي أمامك نُسخةٌ باهتةٌ من الدهشة!
كيف أردُّ على نبيٍّ من حروفٍ،
أتى وفي يده ماءُ المعنى،
وفي صوته ارتجافةٌ صادقةٌ تُزلزل جهاتِ قلبي الأربع؟
كيف أُشعل لك قنديلي، وأنتَ من أضاء صومعةَ الكلام،
وأطلق المواويلَ من ربابةِ نبضي؟
أما وقد كتبتني بكل هذا الاحتفاء،
فدعني أكون القصيدةَ التي لا تُنسى،
والأنثى التي لا تُختصر.
دعني أكون البلقيـسَ التي لن تسقط من عرشك،
وإن تهاوتْ كلُّ القلاع.
سهرُك هبة،
وحرفُك غيم،
وسطورُك صلاة.
فأيُّ ردٍّ يليق،
سوى سجدةِ امتنان، وهمسة:
شكرًا لأنك كتبتني كما لم أفعل أنا.