لم يكن مشهد الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة وهو يُحال إلى مركز تهذيب وإصلاح بسبب تعديه على زميله في أحد المدارس مجرد خبر عابر... بل هو مرآة مؤلمة تعكس واقعًا تربويًا وإعلاميًا بات يختلط فيه الوهج بالانهيار.
الطفل ليس "طفلًا عاديًا"، بل هو نجل أحد أبرز فناني هذا الجيل: الفنان محمد رمضان. ذاك الذي قدّم نفسه لجمهوره – على مدار سنوات – باعتباره "نمبر وان"، ليس فقط في الأداء أو الحضور، بل في صناعة صورة نجم لا يُقهَر، تكسوه ملامح القوّة الخارجة عن القانون، ويعلو صوته فوق صوت العقل.
مشاهد العنف، السلاح، فرض السيطرة، كسر القواعد، والبطولة التي لا تنتصر إلا بالعضلات، كانت ولا تزال مادة رئيسية في معظم أعماله. لم تكن رسائل عابرة، بل تحوّلت – للأسف – إلى نماذج تحتذى من قِبل جيل بأكمله، وجد في تلك الصورة طريقًا مختصرًا نحو "الرجولة"، دون وعي بخطر ما يتلقاه من مضامين.
اليوم، يقف ابنه – الذي لم يتشكّل وعيه بعد – في مواجهة القانون، لأنه ببساطة مارس ما رآه في أعمال والده. ظنّ أن القوة تُمارَس لا تُضبَط، وأن "الهيبة" تفرض بالقوة لا بالاحترام، وأن اليد التي تضرب أسرع من اللسان الذي يعقل.
وهنا، لا نتحدث عن الطفل بقدر ما نُسلّط الضوء على الموروث. موروث تربوي وإعلامي، يبدأ من البيت ولا ينتهي على الشاشة. والده، الذي اتسعت له منصات الفن والغناء والإعلانات، لم يكن مدعوًّا فقط إلى التمثيل، بل إلى أن يكون قدوة.
والقدوة، حين تُشوَّه، تُربك الموازين وتخلط بين البطولة والانحراف، بين القوة والعدوان.
ليست هذه الواقعة الأولى، لكنها جرس إنذار جديد يطرق أبواب الأسر والمجتمع والإعلام. فمَن يعتلي الشاشات، يعتلي عقول الصغار. وما يُزرع في وجدانهم اليوم، سيخرج على هيئة قرارات وسلوكيات غدًا... قد تكون بريئة، أو مدمّرة.
الشهرة مسؤولية، والنفوذ الجماهيري ليس رخصة لتصدير الفوضى تحت اسم "الفن".
والأبوة، حين تُهمل دورها التربوي وتكتفي بالصورة العامة، تترك خلفها فراغًا يملؤه الآخرون... وغالبًا، يكونون من أسوأ ما في الصورة.
ما جرى مع الطفل هو نتيجة، لكن القضية الحقيقية تكمن في الأسباب.
هل نعيد النظر في مَن نُطلق عليهم نجومًا؟
هل نخضع للمحتوى الذي يقدَّم لجمهور المراهقين والصغار للمراجعة والتقنين؟
وهل نحمّل الفنانين مسؤولياتهم كصنّاع وعي، لا مجرد مقدّمي عروض؟
لقد آن الأوان لأن نُدرك أن الفن – كما الأبوة – إمّا أن يكون رسالة تَسمو، أو لعنة تتوارث.
ودمتم بخير---