في المساء، حين تنطفئ أضواء المكاتب، ويغلق الناس هواتفهم، لا يبقى للإنسان إلا بيته.
لكن ماذا لو لم يكن البيت وطنًا؟ ماذا لو كان السقف مأوى للجسد، بينما الروح مشردة؟
الزواج الذي كان يُفترض أن يكون دفء الشتاء، يصبح أحيانًا أبرد من الطرقات.
في جلسات الطبيب النفسي، وفي رسائل السيدات على صفحات الدعم، وفي نظرات رجال فقدوا حماستهم… يتكرر السؤال ذاته، دون أن يُقال:
"هو أنا المفروض أعيش كدة؟"
الزواج السيئ لا يأتي بصوت مرتفع دائمًا، بل غالبًا ما يأتي همسًا...
في كلمة جارحة لا تُعتذر، في نظرة احتقار، في تجاهل مقصود، في غياب الدعم حين تحتاجه، أو في شعور دائم بأنك وحدك… حتى وأنت لست وحيدًا.
ليست كل علاقة زوجية مؤذية لأنها تحتوي صراخًا أو خيانة.
بعض العلاقات مؤذية لأنها تخمدك، تقتل روحك بهدوء.
الطرف الآخر لا يراك، لا يسمعك، لا يشعر بك، لا يهتم إن كنت تبكي أو تضحك.
أنت هناك، لكنك بلا أثر.
تلك العلاقات، التي يُطلق عليها الناس مجازًا "زي القعدة على نار هادية"، تحرق بالفعل.
تحرق الأعصاب. تحرق الثقة. تحرق حتى الإيمان بأنك تستحق الحب.
الزواج حين يتحول إلى عبء، ينعكس على كل شيء في حياة الطرفين:
في صحة الجسد، التي تُنهكها الكتمة والصراع،
وفي اتزان النفس، التي تتأرجح بين لوم الذات وتمني الانسحاب،
وفي ملامح الأطفال، التي تحفظ المشهد أكثر مما نظن.
لا أحد يُخلق بطلاً خارقًا يُصلح العلاقة وحده، ولا أحد يجب أن يعيش عمره وهو يحمل زواجًا ثقيلًا على ظهره لأنه يخشى كلام الناس أو فكرة "الخسارة".
لأن الخسارة الحقيقية هي أن تخسر نفسك، احترامك، وسلامك الداخلي… وأنت لا تزال تحت سقف بيت يُفترض أنه بيتك.
فالنهاية كل علاقة زوجية متعبة، لحظة صدق واحدة تكفي لتغيير المسار.
الصدق مع النفس أولًا، لا مع الشريك.
أن تسأل نفسك:
هل أنا سعيد؟
هل هذه العلاقة تُشبِهني؟
هل أستحق هذا النوع من الحب، أو هذا النوع من الغياب؟
فإن كانت الإجابة لا، فامضِ… إلى إصلاح، أو إلى نجاة.
ولا تجعل الخوف من الوحدة، يدفعك للبقاء في علاقة تُشبه الموت البطيء.
الزواج لا يُقاس بعدد السنوات، بل بكمّ الحياة التي عشتها فيها.
ودمتم بخير---