أن تحب خيالاً ليس بحب
فيلم اللحظة الضائعة – إنتاج عام ١٩٤٧، للمخرج مارتن جابل
في هذا الفيلم، يؤدي (روبرت كامينغز) دور الناشر الأميركي لويس ڤينيبل، الذي يتوجه إلى مدينة ڤينيسيا الإيطالية في مهمة تتجاوز مجرد العمل: يسعى للحصول على مراسلات غرامية بين الشاعر الشهير، جيفري أشتون – الذي اختفى في ظروف غامضة – وحبيبته چوليانا بورديرو. لكن الأخيرة ترفض التخلي عن تلك الرسائل، مما يدفعه إلى التخفي خلف هوية مزيفة، بادعاء رغبته في استئجار غرفة في منزلها العتيق، بمساعدة ابنة شقيقها تينا بورديرو (سوزان هيوارد).
ما جذبني أولاً هو تصميم الملصق الدعائي، بما فيه من فنية صارخة تنسجم مع قسوة العنوان ودلالاته النفسية العميقة. يتناول الفيلم حياة أربع نساء ينتمين إلى طبقتين اجتماعيتين مختلفتين: چوليانا وتينا من بقايا الطبقة الأرستقراطية التي لم يبقَ لها سوى إرث المنزل، مقابل الخادمة الشابة وأمها اللتين تمثلان الطبقة العاملة. وصول هذا الغريب يُخلخل التوازن الهش في هذا المنزل الكئيب؛ فهو يثير القلق والتوتر، وتُقابل خطواته بالريبة من الجميع، عدا الخادمة الصغيرة التي ينال ثقتها بمعاملة لطيفة، في محاولة للوصول إلى مكان الرسائل.
ورغم أن هدف البطل الظاهري هو الاستحواذ على المراسلات، فإن ما يكشفه الفيلم أعمق من ذلك بكثير: دراما قاتمة، تحكي عن امرأة تتشبث بماضيها لتظل على قيد الحياة، وأخرى بلا ماضٍ، فتبني حياتها على ذكريات مستعارة، فتتشكل علاقة مرضية بين الوهم والحنين. هنا، يتجلى المعنى القاسي الذي يحمله عنوان الفيلم.
المنزل في حد ذاته يُعد أحد الشخصيات المركزية في الفيلم. مع انتقال الكاتب إليه، يتولد شعور بانفصاله عن الزمن؛ كل شيء فيه قديم، لا إشارات واضحة للعصر سوى من ملابس البطل. لكن مع مرور الأحداث، يتضح أن التجمّد الزمني ليس في الأشياء فقط، بل في الشخصيات أيضًا. ومع ذلك، لم يمنح السيناريو كل النساء الأربع حقهن في التعمق؛ اقتصر على الخوف الكامن في الخادمة الشابة تجاه ربتها، وقلق الخادمة الكبيرة من وجود رجل غريب، بينما تركّزت الحبكة على چوليانا وتينا فقط.
ينتمي الفيلم إلى نوع الميلودراما الغامضة، تتخلله لمسات من الرعب النفسي، ومع تصاعد الأحداث تظهر أبعاده النفسية بوضوح. لم يُحقق الفيلم نجاحًا جماهيريًا عند عرضه،ومع ذلك، فقد أعيد تقييمه لاحقًا من قبل النقاد وأصبح يُعتبر مثالًا على الميلودراما القوطية الكلاسيكية. لامتلاكه عناصر إنتاجية مميزة: من تصميم الديكور الذي أعاد رسم فينيسيا العائمة داخل استوديو مغلق، إلى الطابع القوطي للمنزل، وتصميم الأزياء، والماكياج المتقن لـأجنيس موورهيد، التي أدت دور چوليانا العجوز، واستغرق تحويل ملامحها وقتًا طويلًا ليبدو واقعيًا.
ما يجعل هذا الفيلم صالحًا للمشاهدة والتحليل بعد مرور الزمن، هو موضوعاته الإنسانية العميقة: عن الأم المتسلطة، وعن الأنانية المقنعة بالحب، وعن التعلق بالماضي كقيد يحرم الآخرين من المستقبل. هو فيلم عن صراع بين امرأتين؛ رجل كان حقيقيًا لواحدة، وتحوّل إلى وهم عاطفي قاتل في حياة الأخرى.
تقييم الفيلم ⭐⭐⭐