هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • في حضرة الميلاد.. ورفيقة الدرب
  • قلبٌ لا يُشبه القلوب
  • ق.ق.ج/ فراغٌ بلونِ الحب
  • ق.ق.ج/ نقشُ الغضبِ
  • من قاع الكنيف
  • عمة على رمة
  • كاليجولا والمستحيل
  • مؤذن على المعاش | قصة قصيرة. 
  • بكل حرف نزف من قلبي
  • عن ديوان "واحدة جديدة" لهبة موسى
  • أعتذر عن السهو 
  • الرب يحبني
  • الإبداع البليغى
  • نَجْمَةٌ لَا تُدْرَكُ 
  • شكر واجب
  • قصة قصيرة/ جسر الأيام
  • ق.ق.ج/ شعور
  • البعد والجوى
  • احلامي المعاقبة
  • بين اليأس والسكينة.. حديث العابرين على أطراف وطن
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة ياسمين رحمي
  5. هياكل النجوم - الجزء الثاني والأخير

مع الوقت اللي بابا كان حاد فيه وكان بيعارض موضوع التمثيل بتاع سلمى ماما كانت بتشجعها، وده لإن في تقييمي كانت عايزه "سلمى" تحقق اللي هي محققتهوش، اه ماهي ماما برضه كانت ممثلة وكان ليها كام دور في السينما والتليفزيون قبل ما تتجوز بابا ومعملتش أدوار تانية من وقت ما اتجوزته... وماما برضه كانت من فئة الممثلين "الملبوسين"، ما هو أنا بصنف الممثلين الكويسين ل3 فئات، ممثلين ملبوسين وممثلين عباقرة وممثلين شاطرين، الملبوسين دول المرعبين، اللي لما يمثلوا المتفرج بيجيله تربنه، ميبقاش عارف يفرق بين الممثل والشخصية اللي بيمثلها كإنهم اندمجوا في بعض وبقوا واحد من كتر حرفنتهم، واللي الناس متعرفهوش إن الممثل ده فعلًا بيلاقي صعوبة يخرج من الشخصية بعد ما يقدمها، والتمثيل بيأثر عليه بشكل سلبي، بيسيبه في حالة نفسية سيئة وبيخليه مشتت وبيفقد هويته ولو بشكل مؤقت...

أهي ماما كانت كده، الكام دور اللي عملتهم علموا مع الناس، لكنها ضحت بده عشان بابا والأسرة...

ماما في الصورة اللي مسكاها كانت بتضحك، ابتسامتها واسعة، بتضفي بهجة على المحيط حواليها، ابتسامة إعلانات المعجون، لكن هل هي دي الحقيقة؟ هي دي أمي؟

اه ولأ!

ده وش من وشوشها، الوش تاني كان مُر...

ماما اللي كانت بتشجع "سلمى" تمثل وبتتخانق مع بابا عشان بيقف ضد مستقبلها وكانت عبارة عن طاقة متجددة وبهجة وإيجابية فجأة وبدون مقدمات كانت بتتحول للنقيض، بيجيلها نوبات غريبة، ألاقيها في يوم صاحية مش عايزه تتحرك من السرير، مش عايزه لا تشوفنا ولا تشوف حد، كارهة الحياة، حتى عنيها مش بتطرف، مفيهاش حياة، مفيش حب في عنيها لينا، مفيش غير فراغ، زينا زي الطرابيزة اللي جنبنا ولا الكنبة اللي ورانا...

ونلاقيها مرة تانية راجعة من بره وبدون مقدمات بتهجم علينا وبتضربنا ضرب قاسي غير مبرر وبتكسر أي حاجة قدامها، ولما تسمع خبر موت حد ولو بعيد تدخل في هستيرية عياط وتكتئب فترات طويلة، ماما كانت مريضة، و"سلمى"...هل "سلمى" كانت سليمة؟ ولا ورثت المرض عن ماما؟

كل الذكريات والأفكار دي جت في بالي وأنا ماسكة البرواز وببص على الابتسامة المشرقة بتاعة ماما، الابتسامة اللي كانت مخبية وراها كتير، الكواليس فيها كل الأحداث الكبيرة واللي على المسرح هو مجرد القشرة...

تفوت أيام، خلالهم أنعزل أكتر عن العالم، معنديش رغبة أتفاعل مع حد، عايزه أكون مع نفسي وبس، خروجاتي كلها تتلخص في مرواحي لبابا عشان أتطمن عليه وكمان لإنه مكنش بيقبل ييجي شقة "سلمى"، مش قادر على ده، نفسيته مش مستحملة...

في ليلة من الليالي والمفروض إننا في عز الصيف ومفيش أي هوا صحيت على شبابيك البلكونة بتتفتح على آخرها من نسمة هوا شديدة، فتحت عيني وبصيت ناحية البلكونة، فضلت متثبتة في مكاني لحظات وبعدين نزلت من السرير وابتديت أتحرك ناحية الشبابيك، قفلتها ورجعت تاني، بس منمتش علطول، فضلت قاعدة، أدركت إن الموضوع غريب ورجعت بصيت ناحية البلكونة، الساعة كانت 3 وشوية، الفجر قرب، ظبطت المنبه عشان أصحى بعدها بشوية وأصلي الفجر...

بس أنا مقمتش على المنبه، قمت قبلها...وده لإني قلقت، سمعت صوت عياط وشحتفة هادية...

مكنتش قادرة أحدد الصوت جي منين، فضلت ألف حوالين نفسي، العياط مش بيبطل، فين، فييين؟

في الآخر لفت انتباهي ضرفة من ضرف دولاب الهدوم مردودة على الآخر لكن مش مقفولة، كل ما أقرب منها الصوت يعلى، فتحت الضرفة بحذر وهناك، جوه الدولاب كانت قاعدة....

"سلمى"!

كانت ضمة رجليها في وضعية القرفصاء ومشبكة إيديها وحاطة كل كوع على رجل ووشها نصه مدفون في إيديها وعمالة تعيط، نور الفجر اللي اتسلل كان واضح كفاية عشان اشوف المشهد وتفاصيله...

رفعت راسها ليا....سألتها:

=إنتي حقيقية؟

-فاكرة اليوم ده؟ يوم ما دخلتي المطبخ ولقيتي ماما وهي ماسكة السكينة؟

=وده يوم يتنسي؟ دخلت المطبخ عادي عشان اكل ولا أشرب، مش فاكرة، ولقيتها واقفة ماسكة سكينة، كان قدامها أورمة خشب اللي بيتقطع عليها الخضار، وعليها جزر متقطع قطع، من بعيد يبان الوضع طبيعي لكن لما قربت، ماما كانت زي ما تكون مهنجة، جسمها وعنيها ثابتين قدامها والسكينة، نصلها كان ناحية فكها وقاعدتها على الأورمة مش العكس! وكانت عمالة تهمهم وتقرب نصل السكينة من رقبتها...ندتها في ذعر:

"ماما"!

ولا كإنها سمعاني، جريت على بابا وبلغته، راح بسرعة على المطبخ وحاول ياخد منها السكينة بالعافية وهي كانت بتصرخ وبتقاوم وبتقول له "عايزه اخلص" لحد ما مسك السكينة بكفة واتعور جامد...

-أنا عندي اللي عندها يا "يمنى".

=هو ده...مرض....

قاطعتني وقالت:

-ليه علاقة بالإبداع، أيوه، مرض ثنائي القطب، تركيبة الشخص المبدع بتبقى مختلفة، الشخص اللي عنده ملكة حقيقية، أيًا كانت، دماغي بتشتغل بطريقة غير الباقي، تركيزه، إحساسه، زي كده اللي بيشوف الدنيا بألوانها الطبيعية واللي عنده عمى ألوان، ده نظرته ورؤيته غير ده، مهو عشان يكون مختلف طبيعي إن تركيبته مختلفة، المرض اللي صابنا أنا وأمك هو حالة بتتسبب في تقلبات مزاجية مش متفسرة، هوبا فوق وهوبا تحت، فجأة نحس ببهجة وطاقة عجيبة مش عارفين نوديها فين وفجأة نفقد الاهتمام بالحياة كلها، مرارة بتملى جوفنا، مرارة مفيش حاجة تقدر تخليها تروح، مش بنبقى قادرين نستمتع بحاجة، فاقدين الشغف والرغبة إننا نكمل، حزن ويأس وشك وخوف، مكنتش بقدر أنام ليالي كتير ولا قادرة أتحرك ولا قادرة أخد قرارات ولا أفكر، مش فاكرة لما كان بيحصل لي كده؟

=أكيد فاكرة، كنت ببقى خايفة منك وعليكي ومش عارفة أتصرف إزاي، عاجزة، مش قادرة أساعدك...

مردتش عليا، أنا مكنتش باصلها في الوقت ده فرجعت بصيت ناحيتها، مكنتش موجودة!

ندهت:

=سلمى؟

مفيش استجابة، بدأت اشك في نفسي، هو قرار اني اتنقل للشقة دي كان صح؟ ويا ترى إيه هيبقى مصيري لو فضلت قاعدة؟

رجعت نمت تاني، نمت بعمق لحد قرب الضهر...

صحيت على مكالمة من رقم غريب، كانت جهة إنتاج، الشخص اللي اتكلم قال إنه عايزني في شغل....

قلبي كان هيقف من الفرحة! الحمد لله، وأنا اللي كنت فاكرة إني انتهيت بعد ما عرض المسرحية وقف...

اخدت منه عنوان الشركة....قمت عملت القهوة بسرعة وفتحت الدولاب، ملقتش حاجة مناسبة، عايزه حاجة أشيك من اللي عندي، فستان راقي مثلًا...

عيني جت على فساتينها، طول عمر "سلمى" ذوقها عالي أوي، نزلت من على الشماعات كذا فستان من بتوعها، وقفت أبص عليهم وفي الآخر اخترت واحد، لبسته وحطيت مكياج رقيق يليق على الفستان ونقيت شنطة، برضه من شنط "سلمى" وجزمة من جزمها....

مشيت لباب الشقة لكن مكملتش، وده لإن فازا كريستال من اللي كانوا على دولاب صغير جنب الباب وقعت على الأرض وادشدشت، الفازا مكنتش على الحرف، مش ممكن تكون اتحركت من نفسها! كإن في حد مسكها بغضب ووقعها على الأرض...

طلعت مني صرخة عالية، فضلت باصة على الشظايا على الأرض، شايفة فيهم انعكاسي، انعكاسي المشوه...

اتوغوشت، بعد ما كنت متحمسة للمشوار، قلبي أكلني، ومع ذلك، فتحت الباب وخرجت....

كل اللي قابلتهم وأنا طالعة الشركة كانوا بيبصولي بإعجاب، رجالة وستات، كبار وصغيرين، وطبعًا فرحت بده، أكيد زي ما الناس منبهرة بطلتي المنتج كمان هينبهر وهيتأكد إنه أخد القرار الصح بأنه عينني لبطولة العمل اللي جايه عشانه...

اتنين استقبلوني استقبال حار، شاورولي عشان أقعد، قدرت أميز من أول لقطة إن الجهة دي محترمة، ناس مثقفين وراقيين، إسلوبهم وطريقة كلامهم، حتى اللغة بتاعتهم...

وأخيرًا جه وقت الكلام في الشغل، واحد منهم قال لي:

-إحنا عايزين نعمل فيلم وثائقي...عن "سلمى"...

بعد ما كانت ابتسامتي واسعة ضاقت شوية فشوية والدموع ملت عنيا، فضلت ساكتة، مصدومة، مش مستوعبة ومش عارفة أرد أقول إيه...

التاني كمل وقال:

-عايزينك طبعًا تتكلمي عنها، إنتي هتبقي أهم عنصر في الوثائقي، إنتي أختها، هنحضر الماتيريال مع بعض، هتسجليلنا بصوتك كل اللي ييجي في بالك عن "سلمى"، ذكرياتكم مع بعض من وأنتوا أطفال، طباعها، عاداتها، إمتى بدأ شغفها بالتمثيل، كانت عاملة إزاي معاكم في البيت ومع صحابها، إحساسكم لما جالكم خبر موتها، كل حاجة تيجي في بالك.

مردتش، هنجت، يدوبك بس عنيا بتطرف، الاتنين بصولي باستغراب بيحاولوا يستوعبوني، في الآخر رديت عليهم:

=هفكر وأرجع اكلمكم.

ونزلت من عندهم...معقولة؟ الفازا؟ كان في حاجة بتحاول تمنعني من المقابلة؟ "سلمى"؟

إحساسي مكنش يتوصف، كإني...ولا حاجة، أنا ولا حاجة، غير مرئية، مليش وجود، محدش مهتم بيا ولا شايفني، الناس ممكن تعدي من خلالي عادي، بس أنا برضه ممثلة وجميلة وعندي إمكانيات وطاقة....ميهمش، كل ده ميهمش، عشان أنا أخت "سلمى الخياط"، وده هيخليني مهمشة طول العمر، الناس مش هتشوف مني فايدة غير أي حاجة ليها علاقة بيها، زي كده الفيلم الوثائقي اللي عايزنني فيه، مش عشان أنا "يمنى الخياط" الممثلة، عشان أنا أخت "سلمى الخياط"...

كنت زي المتبنجة، مش في الدنيا، ماشية كده في الشارع من غير إحساس، من غير حس بالاتجاهات، لحد ما في حاجة وقفتني...

لوحة إعلانات ضخمة كانت بتعرض مشاهد ل"سلمى"، "سلمى" كانت بتضحك، الضحكة المعتادة، الضحكة دي اللي بتنافس الشمس في إشراقها وبتدوب الجليد، أنا واقفة والانعكاس على اللوحة "سلمى"، و"سلمى" مغطياني، مش شايفة نفسي، مش شايفة انعكاسي، أنا...مليش وجود...

بس لاحظت حاجة تانية، "سلمى" في المشاهد دي كانت عاملة قُصة، شكلها هنا يشبه شكلها وهي عندها 19 سنة، كانت عاملة نفس اللوك...

وده خلاني افتكر مشهد، لما صحيت على زعيقها وزعيق بابا ولقيتها جاره شنطة وبتخرج من البيت...

مش قادرة أنسى منظرها، الدموع كانت مالية عنيها ونظراتها كانت كلها عتاب لبابا وحزن، حزن رهيب، حزن يشرخ القلوب، "سلمى" خرجت ومرجعتش تاني، رجعت بس كضيفة، واحدة من الزوار، دي كانت المرة اللي قررت فيها تعيش لوحدها، عيلة صغيرة عندها 19 سنة بس لكن سابت البيت واشترت شقة، نفسها الشقة اللي اتنقلت أنا ليها بعد موتها، وعشان مكنتش وصلت للسن القانوني فخلت واحدة من صحباتها تشتريها باسمها ورجعت اشترتها هي أول ما تمت 21، صحيح "سلمى" كانت بقت نجمة في السن ده، أكتر ممثلة محبوبة في الوطن العربي، صحيح كانت بتعمل أدوار أكبر من سنها، ونضجها الفني وقعدتها في البرامج برزانتها وشقاوتها مع بعض وارائها كله يوحي بإنها أكبر من عمرها، بس في الآخر كانت عيلة، مهزوزة، جواها مخاوف كتير، محتاجة حنان الأب والأم والأسرة، وعيشتها لوحدها مكنتش سهلة أبدًا، خصوصًا مع مرضها النفسي، اللي بيخلي كل حاجة حادة عن المعتاد، زي كده وصف مصاصين الدماء في الأفلام والمسلسلات، كل حاجة بتتعظم، الخوف، الحزن، الصدمة، أضعاف أضعاف الشخص العادي، كتير كانت بتقضي الليالي في عز الحر وهي مغطية نفسها من ساسها لراسها من الخوف، وليالي تانية كانت بتدخل في نوبة عياط بتستمر معاها للصبح...

صحيح، إيه هو الكلام اللي كانت بتقوله لبابا قبل ما تفتح الباب وتمشي؟

كانت بتتهمه أنه خبى عليها وإنه اتسبب في موتها، موت أمي، أنا عارفه الحقيقة، جوايا عارفة، ونسيت أو اتناسيت الكلام اللي سمعته من سلمى، أنا أمي...انتحرت!

"سلمى" كانت غضبانة، من المرات القليلة اللي شفتها غضبانة بالشكل ده، كانت يتقول له إزاي يخبي علينا، إزاي ميقولناش الحقيقة، إن ماما موتت نفسها، وإزاي سابها تعمل كده ليه ممنعهاش، أو...كان على هواه؟ سابها قاصد عشان يرتاح منها ومن الوَش اللي كانت عملاه، من نوباتها والفوضى اللي كانت بتعملها وتقلباتها المزاجية، الزعيق والصريخ والعياط والتكسير، يمكن سابها تموت نفسها وقصد ميتدخلش...

ومشيت "سلمى".... ودي كانت بداية نهاية "سلمى"...

...........................

رجعت الشقة...

كل الألوان باهتة، الدنيا بالأبيض والإسود، مفيش حاجة ليها معنى، وجودي إيه معناه، إيه لازمتي في الحياة...

جت في بالي فكرة ، حاجة معملتهاش من زمان أوي، فتحت كراسة وجبت قلم وابتديت أرسم، من زمان مرسمتش، الناس كانت بتقول لي إني موهوبة لدرجة إنهم كانوا بيتخضوا من رسوماتي، كانت حية أوي، كإنها صورة فوتوجرافية مش رسمة، للأسف أهملت الرسم لدرجة إني ضيعت كل أدواتي، الاستاند اللي كنت بحط عليه الورق ومجموعة الألوان اللي جمعتها في سنين كتير، ومتبقاش معايا غير الكراسة اللي في إيديا وقلم جاف، لكن المَلكة نفسها منستهاش، أول ما القلم اتحط على الورقة إيدي انطلقت...

الليل حل ونعست.....

صحيت قرب الفجر على همهمة، كان في صورة مشوشة قدامي، صورة لواحدة قاعدة على حرف الشباك المفتوح على آخره، "سلمى"!

قمت مفزوعة، مشيت ليها، فجأة سكتت، لفت راسها ليا، ابتسمتلي، سألتني:

-أنا حلوة يا "يمنى"؟

=وهو في أحلى منك، مفيش ست على وجه الأرض في جمالك...

-متبالغيش.

=حقيقي، مش بس ملامحك، ملامحك في اللي أحلى منها، لكن، روحك، تأثيرك غريب، بتسيطري على عيون وأحاسيس أي حد بيشوفك أو بيسمع صوتك، ده أنتي عليكي ضحكة..

-أومال ليه؟....

=ليه إيه؟

-ليه أنا تعيسة؟ ليه مخنوقة كده، ليه بحس إني مش قادرة اتنفس وصدري بيضيق، قوليلي يا "سلمى" أنا ليه تعيسة؟

مستنتش إجابتي، نطت من الشباك!

جريت عليها وأنا بصرخ، بصيت من الشباك لتحت وأنا بندهها، ملقتهاش، ملهاش أثر....

............................

مش قادرة، عايزه أخرج، مبقتش قادرة أعيش في الشقة دي ولا قادرة أعيش الحياة دي، مش هبقى ضل لسلمى، مينفعش، لازم كنت أنقذ نفسي، وده مش هيكون غير لما أكون نفسي....أنا خلاص كنت وصلت لقرار، قرار لمستقبلي وحياتي اللي جايه...

...........................

بابا فتحلي الباب، أول ما شافني وشاف الشنطة اللي في إيدي انهار في العياط وأخدني في حضنه...

رجعتله، ورجعت لعقلي...

فضلت قاعدة في حضنه وحكالي...

-كنت بحاول أمنع "سلمى" عن التمثيل، وده عشان كنت عارف الداء اللي فيها، نفس داء أمها، وكل ما كانت هتجري ورا حلم التمثيل كل اما تغذي مرضها، أنا مش أب شرير ولا بقف قصاد مستقبل بناتي عشان تعنت مني، أنا كنت خايف عليكوا، وهو ده بالظبط اللي حصل، إوعي تفتكري إني مصدق إن "سلمى" ماتت في حادثة عربية عادية، "سلمى" مكنتش مركزة وهي سايقة، أنا عارف، في الفترة الأخيرة قبل موتها كنت حاسس، لأ، متأكد إن كان فيها حاجة مش مظبوطة، اكتئابها وصل لمراحل غير مسبوقة، وكان كلامها وردود أفعالها غريبة، كانت مدمنة، على الأقل على المسكنات، وانتي يا "يمنى" خوفي عليكي بقى أضعاف، في الأول أمك وبعدين أختك، مش متبقيلي غيرك...

ضحكت بسخرية وبعدين قلت:

=لا يا بابا متقلقش، أنا معنديش نفس مرضهم عشان مش موهوبة زيهم...

وبعدين رفعت راسي ليه لإني افتكرت حاجة...قلتله:

=الليلة اللي "سلمى" مشيت فيها سمعتها بتتكلم عن موت ماما وإن حضرتك...

-إني سبتها تموت نفسها قاصد عشان أرتاح منها، إنتي متعرفنيش يا "يمنى"؟ تفتكري هموت أمك ولو بالسلب؟

هزيت راسي بنفي ده وأنا مغمضة عنيا...بابا كمل:

-أنا كنت مستعد أكمل باقي حياتي تحت رجليها، كل يوم أقوم أحاول من تاني أخرجها من الاكتئاب المزمن وكل شوية أمنعها عن محاولات الانتحار وعن التخريب وعن أذيتكم، ربنا يعلم إني كنت هكمل حياتي كده عشانكم، ولو أنا وحش بالشكل ده وسبتها تموت عشان أرتاح وأعيش حياتي ليه متجوزتش بعدها؟

=بابا.

-نعم؟

=أنا مش هكمل..

-مش هتكملي؟

=تمثيل، أنا هبطل تمثيل، مش عشان خايفة يحصل لي زي ما حصل لماما و"سلمى"، عشان مش مستعدة أعيش ضل لغيري، أنا عمري ما هيكون ليا أثر في التمثيل بسبب "سلمى"، مفيش نجم هيصمد جنبها، لمعتها مغطية على لمعة كل النجوم، تعرف يا بابا، النجم الضخم بيموت إزاي؟ ولما بيموت بيحصل إيه؟

-قوليلي.

=النجم العملاق لما طاقته بتخلص قوة الجاذبية بتعته بتعلى ونتيجة لده النجم بيتضغط جامد وبينفجر وبيموت وبيتحول لثقب إسود، أو زي ما هسميه هيكل نجم، إنفجار النجم بيبقى رهيب، ما هو عشان النجم نفسه كان ضخم فانفجاره ضخم، والنجم الميت اللي بقى ثقب إسود تأثيره أعلى من ما كان حي، بيجذب ويشفط كل حاجة تيجي في سكته ويدمره، كواكب بقى، نجوم، حتى الضوء مش بيسلم منه، في النهاية قوته وهو ميت أكبر بكتير من قوته وهو حي، دي "سلمى"، "سلمى" على قد تألقها ولمعانها اتضغطت ضغط شديد، كان عندها معارك محدش يعرفها، جمهورها مش شايف غير ضحكتها وخفة دمها وجاذبيتها ولمعانها اللي ملوش زي، ومن كتر الضغط انفجرت وماتت واتحولت لثقب إسود، سيرتها وتأثيرها عند الناس بقى أعلي، الناس حرفيًا بقت مهووسة بيها وأي ممثلة مهما وصلت لو اتقارنت ب"سلمى" هتتسحق، بالذات اللي قريبة منها، أنا، مصيري الدمار لو لعبت في نفس مجالها، عشان كده لازم أبعد، لازم أنقذ نفسي.

شفت بابا بيبتسم، أول مرة أشوف ضحكته من وقت موت "سلمى"، لأ، من وقت موت ماما، كان مرتاح، متطمن عليا، وأنا كمان، حسيت براحة رهيبة لما أخدت القرار....

..............................

استخدموا وش وجسم "سلمى" بتقنية الذكاء الاصطناعي وعملوا بيها أفلام ومسلسلات جديدة، الموضوع مش بس مرعب لكن مُضلل، الناس لسه بتشوف مرحها وطاقتها وإبداعها، وبيكونوا عايزين يبقوا زيها أو حتى شبهها من بعيد، محدش غيري شاف "سلمى" كلها، محدش غيري يعرفها بجد....

كل حاجة بقت منطقية دلوقتي، الظواهر اللي كانت بتحصل لي في شقة "سلمى"، ظهورها وكلامها ليا، اللي حاولت تعبر عنه، حزنها والتقل اللي كانت شايلاه، الوجه التاني للشهرة والموهبة ولمعة نجمها، محاولتها منعي من إني أنزل وأقابل المنتجين عشان متجرحش، الفلوس الكتير اللي أجبرتني أخدها....كل ده كانت بتحاول توصل لي رسالة وتوجهني لمسار معين، مسار هيكون فيه سعادتي....الرسم....

بالفلوس اللي لقيتها اشتريت شقة وخلتها معرض للرسومات بتاعتي، اللوحات اللي الناس كانت بتنبهر بيها ومش بتصدق إنها مجرد رسم مش صور فوتوغرافية، وأول رسمة حطتها كانت اللي بدأتها بالقلم الجاف على ورقة كراسة، رسمة ل"سلمى" بضحكتها المشهورة، وعلى فكرة أنا وافقت أشارك في الفيلم الوثائقي والناس انبهرت بحضوري وأدائي فيه، الناس لاحظتني ووقعت في حبي! وفي آخر الفيلم صوروا المعرض بتاعي والرسومات اللي فيه وعلى راسهم رسمة "سلمى"، أنا كمان بقيت نجمة، نجمة في مدار مختلف، مداري الخاص اللي "سلمى" مش هتزاحمني فيه، مش هكون ضل ليها، هكون أنا...

من وقت للتاني بصحى على صوت ضحك، ضحك في أركان الأوضة، ضحكة مميزاها كويس، دي ضحكة "سلمى"، الضحكة إياها اللي مفيهاش مرارة ولا ألم ممزوجين بفرحة، ضحكة سعادة خالصة....

"تمت"

 

 

 

 

 

 

 

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↑1الكاتبمدونة اشرف الكرم
3↑1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
4↓-2الكاتبمدونة محمد شحاتة
5↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↑1الكاتبمدونة ياسر سلمي
7↓-1الكاتبمدونة حاتم سلامة
8↑1الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
9↓-1الكاتبمدونة هند حمدي
10↓الكاتبمدونة آيه الغمري
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑55الكاتبمدونة هبة شعبان156
2↑24الكاتبمدونة عطا الله عبد136
3↑14الكاتبمدونة سحر أبو العلا48
4↑14الكاتبمدونة محمد التجاني123
5↑13الكاتبمدونة عزة الأمير157
6↑6الكاتبمدونة حسين درمشاكي35
7↑6الكاتبمدونة اسماعيل ابو زيد83
8↑6الكاتبمدونة عماد مصباح144
9↑6الكاتبمدونة رهام معلا167
10↑5الكاتبمدونة دعاء الشاهد53
11↑5الكاتبمدونة مريم خالد191
12↑5الكاتبمدونة هبة محمد245
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1090
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب697
4الكاتبمدونة ياسر سلمي662
5الكاتبمدونة اشرف الكرم582
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري507
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني430
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين418
10الكاتبمدونة شادي الربابعة404

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب339008
2الكاتبمدونة نهلة حمودة196280
3الكاتبمدونة ياسر سلمي185013
4الكاتبمدونة زينب حمدي170729
5الكاتبمدونة اشرف الكرم133762
6الكاتبمدونة مني امين117541
7الكاتبمدونة سمير حماد 109790
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي99711
9الكاتبمدونة مني العقدة96405
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين95758

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة منى كمال2025-07-30
2الكاتبمدونة نهاد كرارة2025-07-27
3الكاتبمدونة محمد بن زيد2025-07-25
4الكاتبمدونة ناهد بدوي2025-07-19
5الكاتبمدونة ثائر دالي2025-07-18
6الكاتبمدونة عطا الله عبد2025-07-02
7الكاتبمدونة نجلاء البحيري2025-07-01
8الكاتبمدونة رهام معلا2025-06-29
9الكاتبمدونة حسين درمشاكي2025-06-28
10الكاتبمدونة طه عبد الوهاب2025-06-27

المتواجدون حالياً

1738 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع