في عالمنا المعاصر، لم تعد الحروب والصراعات نوافذ تُفتح على ماضٍ بعيد، بل أصبحت تفاصيل يومية تُقتحم علينا عبر الشاشات، تنقل لنا صور الألم والفقد والتشريد، بينما نقف نحن — في بقع أكثر أمانًا — نحمل ثقل العجز والذنب واللا جدوى.
تتهاوى القيم الأخلاقية والإنسانية في مواجهة مصالح لا ترحم، ويُختزل الإنسان إلى وسيلة في لعبة أكبر من مأساته. تُزهق الأرواح بلا تمييز، تُستباح البيوت، وتُشرّد العائلات، بينما يتناثر الألم في كل اتجاه. أطفال يُولدون في الخوف، ونساء يتقاسمن الحزن، ورجال يبحثون عن شتات الأمل وسط ركام الخراب.
تلك الصور التي نراها — وإن كانت على مسافة شاشة — تخترق سكوننا وتوقظ فينا سؤالًا صعبًا: ماذا يمكننا أن نفعل؟ وحين لا نجد إجابة، يتسلل شعور العجز إلى أعماقنا، ويصير ثقلًا يُربك ضمائرنا. ننام في أسرّة دافئة، نحتفل، نعيش، بينما هناك من يبيت على الأرض، ويُدفن دون أن يُعرف اسمه. يُصبح الألم مشتركًا، ولو بالصمت.
وما هو أشدّ وطأة من الحرب، هو حين تُستغل آلام الناس كأوراق في نقاشات سياسية باردة. تتحوّل الجثث إلى أرقام، والأوجاع إلى حجج تُستخدم لتبرير مواقف أو تأجيج نزاعات. هنا يفقد الضمير صوته، وتفقد الكلمات معناها.
في هذا المشهد، يبدو أن السؤال الحقيقي ليس فقط عن مدى قدرتنا على تغيير الواقع، بل عن مدى قدرتنا على البقاء بشريين فيه. كيف لا نموت نحن أيضًا — وإن كنا أحياء — حين نفقد قدرتنا على التفاعل، على الحزن، على الرفض؟
ورغم كل ذلك، فإن الأمل ليس نقيضًا للعجز، بل ردّه الأكثر شجاعة. فربما لا نملك أن نوقف حربًا، ولا أن نُسكت قصفًا، لكننا نملك أن نكون صوتًا لمن لا صوت لهم. أن نروي قصصهم، أن نُشعل شمعة في عتمتهم، أن نعيد تعريف الإنسانية — ولو في حدود ضيقة — لأنها وحدها التي تُبقي العالم ممكنًا.
ربما التغيير الكبير لا يبدأ من قرار سياسي، بل من إنسان شعر، فكتب، فتحرّك.