في بداياتي مع القراءة، كنتُ كمن تكتشف كنزًا لا ينضب.
ألتهم الصفحات بشغف لا يُروى، وأتنقّل بين الكتب كرحّالة لا يستقر بها المقام.
كان كل عنوان يغويني، وكل فكرة تُشعل في ذهني شرارة الاكتشاف.
ظننتُ حينها أنني قادرة على الإحاطة بكل المعارف، وأنني أُدرك خيوط الفكر واتساع العلوم.
لكن الزمن، كما يفعل دائمًا، يُهذّب تلك الحماسة الأولى.
ومع مرور الأعوام، وجدتني أعود إلى بعض الكتب لا لأقرأها فحسب، بل لأفهم ما لم أكن أفهمه،
ولألتقط ما غفلت عنه عين المبتدئة.
أدركتُ أن القراءة ليست سباقًا في عدد الصفحات، بل رحلة تأمل،
وأن العقل لا يحتفظ إلا بما قُيّد،
وأن الكتابة عن الشوارد ليست ترفًا، بل ضرورة.
ليتني وجدت في بداياتي من يهمس لي:
قيّدي ما يمر بكِ من معانٍ وأفكار،
لا تكتفي بالإعجاب اللحظي، فإن الذهن يخذل، والذاكرة تخون.
ركّزي اهتمامكِ، لا تتفرقي، ففي التركيز يتشكّل الإبداع، وتنضج البصيرة.
اليوم، لم أعد أقرأ كثيرًا كما كنتُ،
لكنني أقرأ أعمق، أبطأ، وأكتب أكثر.
لعلّ ما غاب عني يومًا، لا يغيب عن غيري غدًا.