يأتي المرء إلى هذه الدنيا.. وقد سُطرت أقداره..
كُتبت من قبل مجيئه كي تكون الدرب الذي يسير عليه..
يسلكه بكل ما فيه..
بحلوه ومره..
بشوكه ونعيمه..
بقسوته وحنانه..
يتقبله برضًى.. ولا خيار لديه سواه..
وإلا أشقاه السخط والجزع..
يتأرجح بين شتى المشاعر..
يتعلم معها درسًا جديدًا كل يوم..
يبحر ما بين سعادة وشقاء..
ويتخبط بين شتى التجارب الهادئة والعاصفة..
يخوض غمار حلاوتها ومرارتها حتى ينهل في النهاية من شهد إدراكه لمغزاها..
وتذهب الأزمة ويبقى أثرها..
مترسخ يقظ لا يأفل أبدًا..
فليس هناك أقوى على ترك الأثر بداخلنا أكثر من التجارب القاسية..
تلك التي يصدق فيها المرء بوجدانه وروحه وكيانه..
تلك التي يجازف فيها بطمأنينة لم يعهد لأحد بمثلها من قبل.. فتتفتت على صخور الخذلان الحادة..
لتردي بثوابته واعتقاداته وتودي بها إلى هاوية التيه والألم المستمرين..
ما أصعب من أن يخدع الإنسان من أكثر الأشياء التي آمن بها ولها!
وما أصعب أن يتعلم تلك الدروس الأليمة من بين أحضان عهد إليها بثقته وعشمه.. ورسم بين فصولها ربيع الأحلام والآمال في الحياة..
ما أشد وقعها وأدوم ما تخلفها في ثنايا النفس والروح من زعزعة الإيمان وفقدان الثقة بالنفس والآخرين والجميع على حد سواء!
وتمضي وقد خلفت جروح وندوب غائرة في الروح تبقى أوجاعها حية.. ولها خدوش تطال كل من يجازف بالاقتراب منه بعد ذلك..
فتراه يبتعد وينزوي فاقدًا الأمل في كل شيء.. مشفقًا على نفسه من آلام اقتراب لن يكون قادر على تحملها مرة أخرى.. ومشفقًا على الجميع من خدوشٍ قد تلحق بهم أيضًا الأذى..
ربما تقصد أمواج الحياة من ذلك أن تؤكد على ذلك الدرس الخالد الأبدي:
"أنه كلما تعلقت واقتربت.. وحلقت أكثر بأمانيك.. كلما زاد ألمك وخيباتك"
وتكون تلك الآلام والدموع الثمن لسذاجته وحسن ظنه بمن حوله.. وانبهاره بالجميع دون تمييز وخلطه بين الثمين والزائف.. فنسي أنه:
"ليس كل ما يلمع ذهبًا"
"Not all what glitters is gold"
تلك النصيحة التي ما اختلفت عليها اللغات ولا الأجيال عبر كل العصور..
ومهما سقط ووهن.. تجري الأيام من حوله ولا تتوقف.. ويجري معها شاء أم أبى..
وتنطفئ عليه ألف شمس ويلمع في سمائه ألف قمر ليلة وراء ليلة..
وفيها كل يداوي آلامه بطريقته..
ويكون بلوغ الإدراك لذلك الدرس حينما ينظر المرء لتلك المواقف السابقة والأشخاص فيها بنظرة خاوية..
نظرة لا تحمل أي شعور..
سوى الأسف على أيامٍ ضاعت هباءً.. ومشاعر استنزفت في مكانٍ خطأ مع من لا يقدرها..
وعلى فطرةٍ نقيةٍ بريئةٍ لوثوها وشوهوها بقلوب وأيدٍ باردة..
قلوب لا تعرف للوفاء معنى..
ولا تفقه من المشاعر الصادقة سوى اسمها..
ينظر نحوها نظرة ترفعٍ وإباء.. واعتداد بالنفس..
نظرة ليس فيها صفح ولا عفو ولا غفران..
يومها فقط..
يستطيع أن يطوي تلك الصفحة من حياته وينهض..
ويفتح صفحة أخرى جديدة بيضاء.. ليواصل مسيرته..
ويفتح معها صدره للحياة وهو مدرك أنه مهما كان بيده هو مقاليد تلك الصفحة..
ولكن للقدر أيضًا قوله الفصل.. وله كل الرضى والتسليم.. فليملؤها معه كيفما يشاء..
🤍🌸🤍