١- حلت أمس الأحد الذكرى ١٠٤ على مولد الشهيد الرئيس محمد أنور السادات، الذي ولد يوم الخامس والعشرين من ديسمبر ١٩١٨م، وبهذه المناسبة من المهم إعادة التفكير مرارا وتكرارا في عقليته الاستراتيجية وبالأخص في عقليته تجاه إيران.
٢- للوصول إلى هذا المبتغى من المهم أن نضع في حسباننا أمرين أساسيين للحكم الصحيح على شخص مثل هذا الرجل، ودوره في صناعة تاريخ مصر المعاصر، ثم دوره في تحويل قناعات الشاه إزاء الصراع العربي - الإسرائيلي.
٣- الأمر الأول أن السادات من مواليد برج الجدي وهو برج يشتهر أبناؤه بالقدرة على القيادة والحكم وصنع القرار والتحليل الدقيق للأحداث والتفكير بعيد المدى؛ لذلك كان السادات أول من قال إن الخميني يستعمل الطائفية لتحقيق أغراض جيوستراتيجية، ومواليد الجدي يشتهرون بأنهم يصعب فهمهم بسهولة، أو بعبارة أخرى لا يمكن الحكم عليهم من الانطباع الأول؛ لأن ظاهرهم يختلف كثيرا عن باطنهم في أغلب الحالات.
٤- أما الأمر الثاني فهو أن حياة السادات ومسيرته السياسية تؤكد النقطة الأولى، شخصيا لي تجربة مثيرة مع الرئيس السادات، فقد كان انطباعي عنه مغايرا تماما لحكمي عليه بعد دراسته أكاديميا، ذلك أن رسالتي للماجستير تمحورت أصلا حول دوره في تغيير علاقة مصر بإيران في سنوات حكمه تلك التي استمرت 11 عاما.
٥- ولقد كان من المهم أن أتعمق في دراسته لفهم توجهاته الاستراتيجية نحو طهران ومعرفة سر نجاحه منقطع النظير في استخلاص مصالح سياسية واقتصادية عملاقة لمصر من الشاه بعضها تم الكشف عنه بالوثائق والبراهين الدامغة.
٦- ثم شاءت الظروف أن أعيد دراسته مرة أخرى في رسالتيّ للدكتوراه، وفيهما أثبت أن السادات تجاوز مكانة الرئيس وأصبح استراتيجيا كبيرا في وزن كلاوزفيتز وأقرانه، والدليل أنه من وضع الثوابت الاستراتيجية الراسخة التي سارت عليها السياسة المصرية الخارجية تجاه إيران بدءا من اندلاع الثورة الإيرانية لعام ١٩٧٩م، وحتى الآن.
٧- لنا أن نتخيل أن يضع شخصٌ ما، محددات سياسية ما تجاه بلد ما ويسير عليها كل الذين خلفوه دون أدنى تغيير يُذكر، وهم: الرئيس محمد حسني مبارك، والمشير حسين طنطاوي، والمستشار عدلي منصور، والرئيس عبد الفتاح السيسي.
٨- وكانت توجهات محمد مرسي هي الخروج الوحيد عن النسق الخارجي الحاسم والحازم لسياسات مصر تجاه إيران، ولعل هذا أحد أسباب إخفاقه في التعامل مع مؤسسات الدولة، وأيضا لم يتمكن من تطبيع العلاقات مع آيات الله، وفي عهده ضُرب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بالأحذية عند مشهد مسجد الإمام الحسين، رضي الله عنه، بقلب القاهرة.
٩- هكذا ظللت نحو ١٥ عاما برفقة السادات من خلال الكتب والوثائق والأوراق وعايشته على نحو لصيق حتى فهمت مفتاح شخصيته وسر لمعانه في عالم السياسة، وهو أنه شخص يستحيل أن تقرأ فيما يفكر أو أن تتنبأ بحركته التالية على رقعة الشطرنج، ثم أدركت أنه كان بحق خبيرا رفيع المستوى في الشؤون الإيرانية.
١٠- مرة من المرات التي قابلت فيها المرحومة السيدة جيهان السادات، بينما تجلس الإمبراطورة فرح بهلوي، إمبراطورة إيران، في منتصف الجلسة، قلت لها هذه الأفكار عن زوجها وعن علاقته بالشاه وأخبرتها برأيي عن المرحوم السادات وكيف أنه أوتي علما واسعا في تحليل السياسات الإيرانية؛ فسددت نظرها نحو الإمبراطورة، ثم قالت لي بالحرف الواحد: "ما أروع هذا الكلام".