١- تمر اليوم الجمعة ١٧ فبراير الذكرى السابعة لوفاة العَلَم الكبير والكاتب الكبير المرحوم الأستاذ محمد حسنين هيكل، وفي هذه المناسبة أود أن أقر باعتراف، غير أني قبل ذلك أود أيضا أن أتذكر ما جرى منذ ١٣ عاما، في خريف العام 2010م، حين تواصلت مع مكتبه، وطلبت أن أجري حوارا معه تتضمنه رسالتي للماجستير بجامعة الأزهر الشريف بحكم مقابلاته مع شاه إيران محمد رضا بهلوي وشقيقته الأميرة أشرف وكذلك علاقاته بالإمام الخميني ورجاله، وتوسطه في أزمة احتجاز رهائن السفارة الأمريكية في طهران؛ فرفض.
٢- قالت لي مديرة مكتبه بعد إلحاح مني إن الرفض لأسباب سياسية، وإن الأستاذ قال كل ما لديه في كتبه، وكانت بطبيعة الحال تقصد: "إيران فوق بركان" و"مدافع آية الله" و"سنوات الغليان" و"زيارة جديدة للتاريخ"؛ فتوسط لي وزيران أحدهما سابق والآخر كان في السلطة وقتها، وكان مرشحا بقوة لتولي رئاسة الوزراء خلفا للدكتور أحمد نظيف.
٣- قال أحدهما له إن محمد (أي: محمد محسن أبو النور) لديه أسئلة لم تجب عنها الكتب كما لديه إشكاليات بخصوص بعض التناقضات في المعلومات حول أزمة الرهائن وإشكاليات حول رواياتك عن الإمبراطورة فرح پهلوي؛ فرفض أيضا.
٤- ثم توسط لي إعلامي كبير (موجود على هذا الحساب وسيقرأ هذه السطور) في هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، فرفض مجددا وقال إن صحته لا تسمح بحوار علمي لرسالة جامعية.
٥- في تلك الأثناء طلبت من الأستاذ فهمي هويدي مقابلة للرسالة؛ فوافق واستضافني ــ بكرم لا أزال أحفظه له ــ في منزله وفي مكتبه بالأهرام، وقد أوردت روايته للتاريخ في الرسالة، وما أزال أحتفظ بشرائط الكاسيت المسجل عليها مقابلاتي معه.
٦- في غضون ذلك طلبت من هذا الأستاذ الكبير التوسط لإجراء الحوار العلمي مع هيكل؛ فسألني بينما أحتسي رشفة من فنجان الإيرلجراي الذي قدمه لي بغرفة مكتبه المصنوعة أرففها من خشب السنديان، في شقته بضاحية ألماظة في حي مصر الجديدة: لماذا تطلب توسطي أنا بالذات بعد فشل الوسطاء الثلاثة السابقين؟!
٧- قلت: بحكم صداقتكما وأنك صاحبته في موضوع تحرير الرهائن في طهران، أرجح يا أستاذ أنك عزيز لديه. فقال لي كلمته التي لا أنساها: "هيكل ليس له عزيز!".
٨- ثم قامت ثورة يناير وأجرى المرحوم الأستاذ هيكل عددا هائلا من المقابلات مع زملاء صحفيين وإعلاميين، وتحدث في كثير من الملفات المتعلقة بإيران وأمن الخليج العربي؛ ولقد كانوا جميعا يكتفون بهز رؤوسهم أمامه من دون مناقشة.
٩- ساعتها عذرتهم؛ لأنهم لا يعرفوا أبسط الحقائق في تلك الملفات، وفهمت لما قبل هيكل مقابلاتهم ورفض مقابلة الصحفي الذي كان قد حصل على عضوية نقابة الصحفيين، والباحث الذي كان قد اتخذ قرارا بتكريس حياته للشؤون الإيرانية، والذي يبتغي تحري الحقيقة في ملف هو (أي هيكل) أكثر من أرغى وأزبد فيه.
١٠- بعد مرور هذه الأعوام السبعة على رحيله أقر بإعجابي الشديد بقدرة الأستاذ هيكل على اتخاذ القرار، بل إنني أتفهم تمام التفهم حكمته في أن ينأى بنفسه عن حرج إجراء المقابلات مع الخبراء والباحثين واكتفائه بالحديث مع كل من هو ليس ذي صلة بالتخصصات العميقة، وأعترف أمام نفسي مجددا أن الأستاذ هيكل ــ عليه رضوان الله ــ هو أحد أهم الصحفيين في تاريخ العرب المعاصر، إن لم يكن أهمهم على الإطلاق.