منذ أن استأجرت مدام شروق الشقة الكائنة بالدور الثالث بعمارة المعلم سيد، ونساء المنزل يتوجسن منها، فهي ـ كما قالت لهن الحاجة فاطمة زوجة صاحب العمارة ـ مطلقة ولها ولدان تتركهما برعاية والدتها معظم الوقت، وأنها متزوجة بزوج جديد، يزورها بشقتها في أوقات متفرقة.
مدام شروق تقضي نصف نهارها بالشقة .. تلبس دائما ملابس مكشوفة زيادة عن اللزوم، تقف على السلم تكلم محصل الكهرباء أو الزبال دون أن تستحي من أحد، مما يثير حفيظة السكان وغيرة الجارات، أما باقي يومها فتقضيه في تجهيز العرائس وصبغ وقص شعر السيدات بمحلها الصغير الذي استأجرته .. وعلقت عليه لافتة (كوافير شروق) .
رغم أن مدام شروق لا تختلط بجاراتها إلا أنهن كن لا يرتحن لوجودها بينهن، رغم علمهن أنها متزوجة ولها رجل، غير أنهن لم يرونه يزورها أو يبيت عندها، وكان هذا سر استغرابهن وقلقهن منها، إلا أن الحاجة فاطمة زوجة صاحب العمارة، أخبرتهن أن زوج شروق كما علمت من زوجها المعلم سيد، يعمل بمحافظة أخرى ويأتي ليومين فقط بالأسبوع يبيتهما عندها، ويسافر لعمله في الصباح.
دبت الخلافات بين نساء العمارة وأزواجهن، فمُنى التي تسكن بالدور الثاني لاحظت أن زوجها صار ـ فجأة ـ مهتمًا بأي صوت على السلم وأنه يتابع الطالع والنازل من العين السحرية للباب، ومدام سناء التي تسكن بالدور الرابع انتبهت أيضًا أن زوجها يقضي معظم الوقت الذي يكون فيه بالمنزل في رعاية النباتات التي زرعها حديثًا بالبلكونة، اللافت للنظر أنهن بين ليلة وضحاها تحول لون شعورهن على اختلاف السن إلى اللون الأصفر.
كانت الحاجة فاطمة تحكي لزوجها ما يحدث في العمارة وحال النساء منذ أن سكنت بها الست شروق، فتعالت ضحكات المعلم سيد وهو يقول لها: (والله نسوان مجانين .. وانتي ياحاجة مش ناوية تعملي زيهم وتصبغي أصفر؟!)
ضحكت الحاجة فاطمة وقالت: (معقول يا حاج .. بقى بتقول عليهم مجانين وعاوزني اقلدهم)
قبلها المعلم من رأسها وهو يقول :
(والله انتي ست العاقلين ياحاجة .. لو لفيت الدنيا مش هلاقي في عقلك وطيبة قلبك)
ثم تابع كلامه وهو يهز رأسه:
(والله يا حاجة شكلي غلطت لما سَكِّنْت الست دي عندنا .. أرجع بس من السفر واتلم على جوزها هقوله يشوفوا لهم شقة تانية .. وبناقص وجع دماغ)
كان رد الحاجة فاطمة: (الشهادة لله الست في حالها ومحدش بيسمع لها صوت .. بس على قولك ياحاج بناقص وجع دماغ)
بعد مرور عدة أشهر، وذات مساء، سمع السكان صوت طرقات عنيفة على أحد الأبواب وكأن أحدا يريد تكسيره، وتعالى صوت امرأة باتهام لإحداهن بخطف زوجها، اندفع سكان العمارة رجالًا ونساء لمعرفة ما يحدث، كانت الجلبة عند شقة مدام شروق التي وقفت على باب شقتها تحاول دفع الحاجة فاطمة ومنعها من الدخول بينما هي ـ بوزنها الذي كان ضعف وزن شروق ثلاث مرات ـ تمسكها من ملابسها وشعرها وتكاد أن تضعها تحت قدميها وهي تصرخ:(أخرج يا معلم .. بقى ده الشغل اللي بتبات فيه كل أسبوع) .