لحظةٌ واحدة فقط، لحظةٌ تمرّ كالسهم في زمنٍ ممتد، تكفي لكي ينكشف المستور، وتنجلي الغشاوة عن العيون، فتشرق الحقيقة فجأةً أمامك كما لو أنها كانت مخبأة في الظلام لسنوات، كم هو عجيبٌ هذا الشعور! كأنما كان قلبك يتخبط في عتمةٍ طويلة، وعينيك غارقتين في ضبابٍ كثيف، وحين رفعت الستار، اكتشفت أن كل شيء كان أمامك طوال الوقت، ولكنك لم تَرَه.
إنها لحظةٌ مليئة بالدهشة واليقين، عندما يُرفع الستار عن الحقيقة، ويبدو كل شيء في مكانه الصحيح، كان الأمر أشبه بكابوسٍ طال أمده، وعندما انتهى، وجدته مجرد خيالٍ هش، في تلك اللحظة التي يختفي فيها الشك، وتَزول الضلالات، ترى الأمور كما هي، واضحةً وجلية، لا مكان فيها للتردد، ولا مجال للريبة، الحقائق تتناثر من حولك كنجومٍ في سماءٍ صافية، فتشعر بأنك قد انتقلت من الظلام إلى النور، من التردد إلى اليقين.
لكن الأجمل من ذلك هو شعور الفرح الذي يعقب هذه اللحظة، فرحٌ ينساب في الأعماق، يملأ خلجات نفسك، إن انتظار النصر لا يُشبه شيئاً آخر، ففي لحظات الفوضى، كان الأمل هو شريكك الوحيد، والصديق الذي يواسِيكَ في صمت، أما الآن، فقد أصبح هذا الأمل حقيقةً ملموسة، وأصبح النصر قاب قوسين أو أدنى.
لا شيء يشبه فرحةَ العين عندما ترى الحقائق تسطع أمامك، وكأنها مفاتيحٌ تفتح لك أبواب المستقبل، كل خطوةٍ كنت تخشى أن تخطوها في الماضي، أصبحت الآن طريقاً ممتلئاً باليقين، ومع انكشاف الحقائق، يتحرر القلب من عبء القلق، وتصبح أيامك مليئةً بالانتظار المُثمر. أنت تعلم الآن أن النصر ليس مجرد وعدٍ بعيد، بل هو وعدٌ قريب، ينتظرك على الجانب الآخر من الفجر.
وهكذا، عندما تنكشف الغشاوة، لا يظل في القلب سوى الفرح، ذلك الفرح الذي يشبه ضوء الشمس بعد العاصفة، يشعُّ في أعماقك ويملأك قوةً وتفاؤلاً. يصبح النصر أكثر من مجرد هدفٍ، يصبح يقيناً، ويصبح الأفق أكثر اتساعاً من ذي قبل.