تحكي له كعادتها، غير أنها هذه المرة، تتكلم وعيناها مرفوعتان نحوه، هو الذي طالما استمع إليها وإلى ذات الكلمات، يجاهد أن يبدو عليه الاهتمام.
قالت: لن أنكر أنه وَفَّرَ لي كل ما حلمت به، إنه ناجح، بل إنه لا يكف عن النجاح، لكنه فاشل أيضًا، نعم .. هو فاشلٌ كبير، مخضرم، لقد نجح .. وفشل .. نجح مرارًا .. وفشل مرة واحدة ولكنها كانت كافية لأن تقودني إليك مرارا.
الطبيب الذي يتصنع الاهتمام .. اعتاد على وقع كلماتها .. لقد سمع تلك الكلمات حتى كاد أن يحفظها، مثلما كاد أن يحفظ نقرات أناملها على مكتبه، إلا أنه ما إن رفع وجهه إليها عرضًا وهو يشعل سيجارته؛ وجدها لا تنظر إلى قدميها كعادتها، بل تنظر إليه بثبات وثقة، وما إن فتح فمه ليتكلم، رفعت سبابتها نحوه مشيرةً بالرفض، قالت: أنا هنا لتسمعني، آتي إليك فقط لتسمعني، أتعرف ما الذي يؤلمني؟!
حدق الطبيب بعينيها الباكيتين، فمسحت دموعها بأطراف أصابعها، ثم طوحت شعرها للخلف وقالت:
- أنه لا يراني، يرى نفسه، يرى ما يملكه، يرى رغباته .. نجاحه .. نظرات الناس له .. انبهارهم بما يملك .. لكن أنا لا .. لا يراني.
كان الطبيب صامتًا مندهشًا .. يفكر في رد على ما سمع منها .. إلا إنها سريعا مدت يدها إلى حقيبتها، فتحتها وأخرجت منها خاتمًا ماسيًا، قلَّبَتْهُ بين أصابعها أمام عينيه، وقالت :
- لقد أحضر لي هذا، اختاره غاليًا ليليق به، به هو ..، ثم استطردت:
- أتعلم؟! أنا لا أريد هذا الخاتم، كان يكفيني احتضانه لي، تكفيني لمسة كفيهِ لخديّ بحنان .. لكنه لم يفعل.
ظل الطبيب يسمعها ولا يرد، مكتفيًا بهز رأسه، رفعت كفها أمام وجهه وأشارت إلى جرح كان قد برؤ ..
- أنت تعرف أنني حاولت الانتحار؟! كنت قد حكيت لك من قبل، مع ذلك، لم يرني .. لم يكن بمقدوره أن يراني، أو إن أردتَ الحقيقة، لم يكن مهتمًا إلا بنظرة الآخرين له وقد أقدمت زوجته على الانتحار!
كلماتها تلك أيقظت كل انتباهٍ لدى طبيبها، حتى أنه تابع ارتعاش شفتيها وارتجاف يديها وهي تمسح دموعها، ثم توتر كلماتها وهي تقول:
- حين رأيتُني في عينيِّ غيره، تمنيت لو أن تلك العينين كانتا عينيه هو، لكنها لم تكن، بل لن تكون، وها أنتَ كل مرة تنصحني أن أبتعد عمن رآني، تؤملني وتصف لي المهدئات ..
صمتَتْ بضع دقائق، أخذتْ نفسًا عميقًا، ثم رفعتْ وجهها مرة أخرى نظرت بعينيّ الطبيب وقالت: أتعرف؟!، أنت أيضا ناجح، أنت طبيب ناجح، صدقني لم أعد أشعر بالخجل مما أحكي، لم أعد أتألم من الخيانة، مسحت دمعتين انحدرتا من عينيها، ثم حملت حقيبتها ومشت ناحية الباب، توقفت فجأة، ثم استدارت .. نظرت للطبيب وقالت: أعتقد أنني لم أعد بحاجةٍ إليك.