خطوط وظلال
في ذلك الصباح، كنت قد طلبتُ من تلاميذي رسم صور لبعض الحيوانات، كاختبار لقدراتهم على محاكاة الطبيعة، نبهتُ عليهم ألا يساعدهم أحد، وفي اليوم التالي مررت عليهم لأجمع كراسات الرسم ثم جلستُ لأتفحصها .
كنت أمسك بالكراسات واحدة تلو الأخرى، أقلب فيها حين استوقفتني إحداها، حيث لاحظت دقة الخطوط وتباين الظلال ودقة الأبعاد في الرسم، قلبت الكراسة لأرى الاسم وأنا ينتابني الغضب، فتلك الخطوط والظلال أدق وأعمق من أن تصدر عن طفلة.
ناديت صاحبة الكراسة وعنفتها وأنا أُذَكِّرُها أنني نبهت إلى عدم ترك أحد يساعد في الرسم؟ .. كانت ترتعش أمامي وكلماتها تختنق بالدموع وهي تحلف لي أنها هي التي رسمته بدون مساعدة، اهتز قلبي وأنا أراها ترتجف وتبكي وتصر على كلامها، فمسحت على شعرها برفق وطلبت منها كراسة المتابعة .. التي كتبت فيها خطاب استدعاء لولي أمرها.
في اليوم التالي حين كنت بغرفة النشاطات بالمدرسة دَخَلَتْ عَلَيّ الطفلة ممسكة بيد والدتها، التي كانت تزين وجهها ابتسامة ودودة وهي تمد يدها لتسلم عليّ، وقبل أن أخبرها بما حدث، بادرتني بأن ابنتها حكت لها ما كان بالأمس، مؤكدة لي أنها تعذرني إن لم أصدق، ولكنها ستثبت صدق ابنتها بدليل عملي، وطلبتْ مني أمراً استغربت له، لكنني وافقتها لأرى ما تريد إثباته.
خلال دقائق جمعتُ الأطفال وخرجتُ بهم إلى الفناء كما طلبت مني، ثم جلسنا في دائرة كبيرة كانت الأم تجلس في منتصفها ومعها ابنتها التي احتضنتها وهي تهمس في أذنها ببعض الكلمات وتشير ناحيتي أنا والأطفال.
وجدت الطفلة تهز رأسها وهي تنظر لوالدتها التي شجعتها بابتسامة فبادلتْها الابتسام، ثم فتحت حقيبتها وأخرجت منها مجموعة من المجسمات الصغيرة لحيوانات مختلفة، قامت بوضعها على طرف كراسة الرسم باتجاه أشعة الشمس، ثم وقفت ودارت حول الكراسة ممسكة بقلمها وبدأت في رسم خطوطها حول منحنيات الظلال المنعكسة على الكراسة بكل دقة ومهارة.
كنت أنقل نظري بين الأم وطفلتها وأنا أرى تشجيعها لها ونظرات الفخر بها، دمعت عيناي وأنا أستدير لأغادر الفناء فيما كان باقي الأطفال يرفعون أيديهم أمام الشمس ويدورون بأقلامهم حول ظلالها المنعكسة على صفحاتهم البيضاء.