جلستُ بجانبها، وأنا أعتزم إخبارها بموافقتي، كنت أرتب الكلمات في سري: أنا موافقة .. ولم لا؟! وقد وعد لي بحصة في شركته الجديدة ..، لكنها .. التفتت نحوي وكأنها كانت تتسمع كلماتي وأنا أرتبها .. سألتني فجأة:
- هل بعد فقد الروح حياة؟
نظرت لها مستفسرة:
- ماذا تقصدين؟!
تأملتني بعينين دامعتين، بعد أن وضعت يدها على كتفي .. هزتني بلطف.. وأكملت:
- ستوافقين؟! ..
فهززت رأسي وأنا أنظر في عينيها، قلت:
ـ أبي قال لن تخسري ..، قال .. الفرص لا تنتظر ولا تتكرر.
نظرتْ طويلًا في عينيَّ، وغامت عيناها كأنها تتذكر ماضيا بعيد .. ثم تركتني لتجلس على الكرسي الذي يعلوه صورة زفافهما، وقد وقف أبي متأنقاً مزهواً وهي بجواره فاتنة بوجهها المشرق .. وتحت قدميها باقة كبيرة من الورود استقرت على طرف فستانها.
أنزلت عينيَّ نحوها .. وقد جَلَسَتْ منحنية .. واضعة رأسها الأشيب بين كفيها اللذين قد نفرت عروقهما من تحت جلد رقيق مجعد، تذكرتُ كل مرة سمعتها تؤنب نفسها على اختيارها، تذكرتُ كم تَحَمَّلَتْ قسوته ونزواته من أجلنا، وما فعله بها حين حاولت الانفصال عنه.
اقتربت منها واحتضنتها، ثم رفعتُ كفها لفمي قبلته وابتسمت: صدق أبي .. الفرص لا تنتظر ولا تتكرر، ولكن أيضاً .. العمر لا يأتي إلا مرة واحدة.