مما لا شك فيه أن التكنولوجيا الحديثة ووسائل الإعلام والإنترنت - رغم ما فيها من إيجابيات - إلا أنَّ سلبياتها كانت أكثر وأخطر، ولعل من أبرز هذه السلبيات أنها قد أكَلَتْ مساحة كبيرة من أوقات الناس، ومساحة أكبر من تفكيرهم وحياتهم، ومن سلبياتها أيضًا أنها قَضَت على جو العائلة واجتماع الأسرة كما كان يحدث في بيوتنا قبل الثورة الإلكترونية؛ إذ كانت الأسرة تجتمع قاطبة على مائدة الطعام أو أمام الشاشة ويتحاورون ويتسامرون، لكن الآن قد نجتمع سَويًّا وكل واحد منا مشغول في محموله يتصفح ما يشاء، أصبح كل واحد منا يعيش في واقع افتراضي؛ بسبب الإنترنت وتطبيقاته.
وأهملنا - نحن شباب العصر - حضن الأسرة ودفء العائلة واجتماعنا البشري، وهذه كارثة، نتج عنها مشاكل نفسية كثيرة لدى الشباب والفتيات.
لم يعد هناك حوار بين الأباء والابناء، ولا بين الإخوة والأخوات، لم يعد هناك تشاور ولا تحاور، كل واحد منا يعيش في وادٍ عن الآخر، فلا يعرف الأب ما يفعله الابن، ولا الابن يهتم بمجالسة الأب، وهذه كارثة كما قلنا؛ لأننا نخالف في ذلك سنة من سنن الله في الكون.
نعم، إن «العائلة» بروحها ومفهومها وتعاونها وتحاورها سنة كونية من سنن الله التي أودعها في كافة مخلوقاته، من نبات وحيوان وأجرام سماوية، حتى في عالم الذر والجزيئات!!.
1- ألا ترى أنَّ «الذرة»، تتكون من «النواة»، وهذه النواة تتكون من «بروتون موجب - ونيترون متعادل»، وحول النواة تدور «الإلكترونات السالبة»، في ترابط وتناغم يشبه جو العائلة؛ إذ الذرة تمثل رب الأسرة، والنواة تمثل الإبن، والبروتونات والنيترونات تمثل الأحفاد، والإلكترونات تمثل الإخوة للنواة، وبين الذرة وأسرتها ترابط وتحاور لا ينتهي متمثلا في «التفاعلات الكيميائية».
2- ألا ترى أن المواد عبارة عن جزيئات، وكل جزيء يتكون من ذرات مترابطة مع بعضها بروابط كيميائية أشبه بروابط العائلة.
3- ألا ترى أنَّ جزيء الماء يتكون من ذرتين هيدروجين وذرة واحدة أكسجين «وهم بمثابة الأبناء»، مرتبطين برباط تساهمي قطبي «مثل رباط الإخوة»، وكل ذرة من الثلاث تحتوي على بروتونات موجبة ونيترونات متعادلة «وهم بمثابة الأحفاد»، حتى البروتونات والنيترونات تتكون من جسيمات أصغر تسمى الكوارك «أبناء الأحفاد».
4- ألا ترى أن النبات يتم تصنيفه إلى عائلات: نباتات بذرية، ونباتات لا وعائية، وسراخسيات.....وكل عائلة تنقسم لأفراد، فالنباتات البذرية تنقسم إلى مغطاة البذور ومعراة البذور، والنباتات اللا وعائية تنقسم إلى كبدية وزهقرنية وحزازية... وهكذا.
5- هل تعلم أن البروتينات تتكون من تشابك وتضافر عدد كبير من الأحماض الأمينية في صورة وحدات، كما تتكون العائلات من تجمع الأبناء والأحفاد.
6- ألا ترى أن الشمس وما يدور حولها من كواكب تمثل صورة للعائلة التي يجتمع فيها الأفراد حول رب العائلة.
7- ألا ترى أن الكون الذي يتكون من مجرات ضخمة تتجمع في صورة عناقيد مجرية، وكل مجرة تتكون من ملايين الكواكب والنجوم، وكل في فلك يسبحون، أشبه بجو العائلة.
7- ألا تعلم أنه يتم تصنيف الطيور إلى عائلات ... ألا ترى الفرخة التي تفقس على البيض لتُخرج أفراخا صغيرة، تجتمع تحت أجنحة أمها في ترابط وتناغم أشبه بجو العائلة.
8- كذلك الأسماك والحشرات والمواشي، عبارة عن عائلات تتكون من أب وأم وأبناء وأحفاد، وبينهم عواطف ورحمة عائلية، ولهما لغة تحاور لا نفهمها
9- ألا ترى أن أنثى الأخطبوط أثناء حضانة البيض لا تأكل ولا تشرب؛ حتى لا تلوث البيض، وتستمر في حالة صيام طول فترة تحضين البيض، حتى يفقس البيض، وهذا ما يؤدي بحياتها إلى الموت؛ في سبيل بقاء أولادها، وهذا من أسمى معاني التضحية العائلية.
10- ألا ترى أن النحل يعيش في صورة خلايا وعائلات، تضم الذكر والأنثى والملكة والشغالة، وكل منهم له مهام يقوم به، في ترابط وتناغم أشبة بالعائلات الإنسانية.
وهكذا نرى أن تكوين «العائلة» وأجوائها في طبيعة كل المخلوقات؛ وكل ذلك يُطلعنا على أهمية الالتفاف حول العائلة والتمسك بقيمها وضوابطها المرعية؛ فإن في ذلك طريق النجاح والفلاح.
وفي الختام لا يسعنا أمام هذه العظمة إلا أن نقول سبحان الله العظيم، سبحان الله المبدع الخالق الحكيم!!.