الرواية للكاتب: محمود زيدان حافظ
نوع الرواية : أدب رعب وغموض
دار ديوان العرب للنشر والتوزيع
نوع المقطع المتوسط
عدد الصفحات ١٢٧
رغم أن روايات الرعب ليست النوع المفضل بالنسبة لي؛ إلا أن هذه الرواية تحديداً بدأتها بتفاؤل وهدوء نفسي موقنة أني سأمضي وقت ماتع معها؛ فلقد قام الكاتب بجذب القارئ وربطه بشخصية فحيل حتى قبل قراءة الرواية، وخلق منه أسطورة يضرب بها المثل في الرعب بديلاً عن كلمة (عفريت)، بل وجعل هناك ألفة مع الاسم، فتبدأ الرحلة متقبل من ذلك الجني كل شيء وأي شيء بصدر رحب وابتسامه هادئة.
وبغلاف مبهم ذو ألوان نارية يشعرك بالغموض والإثارة التي يدعوك أن تدخل إليها سريعاً ستبدأ رحلتك.
يخاطبك الكاتب في أولى صفحاته طالباً منك التركيز والحذر فتنتبه مدركاً ان هناك خطب ما ستمر به مبكراً جداً.
ستعبر مقدمة الكتاب محاولاً فهم ماذا هناك؟! لتجد نفسك أمام مقدمة أخرى تحاول بها التعرف على من هو ذلك المتحدث الذي يحاول أن يخبرك شيء ما عن نفسه ولكنه لم يستطيع فعل ذلك بعد، ليرمي بك فجأة لما هو قبل البداية، وكل ذلك وأنت تنتظر أن تعرف الحكاية وتبدأ الرواية.
استمتعت بصفة شخصية ببلاغة وجزالة ألفاظ الكاتب رغم تلاعبه كثيراً بمفردات الكلام، وقد زاد تلاعب كلماته وعبراته من متعة القراءة، وفرض الابتسامة الدائمة على وجهي كلما مررت بأحد ألاعيبه رغم عدم وجود كوميديا للموقف داخل الرواية.
يخاطبك بين الحين والآخر فتشعر وكأنك جالس معه أثناء كتابته لتلك الرواية تعطيه رأيك وتحاول فهم وجهة نظره، أو عن طريق فحيل الذي يتعمد التحدث معك لتجد نفسك دون شعور تبادله أطراف الحديث حتى وإن لم يكتمل ذلك الحديث داخل الصفحات، فسيجعلك تقتنع أنه بجوارك يراك ولا تراه، فلا تندهش عندما يصحح لك نطق أحد أسماء الجان مرة طالباً منك تعطيش الجيم، ولا تشك في نفسك حينها لو وجدت أنك سألته بصوت مرتفع (عرفت إزاي؟!) فالكاتب أكسب فحيل من خبراته ما يجعله يعرف كل شيء ويتوقع أي شيء، وكلما اعتقدت أنك فهمت الحكاية، يسخر منك هذا الجني المتلاعب ويجعلك بدهاء تشك في كل ما عرفته عن الحكاية، وينتابك هذا الشك كل مرة تعتقد أنك عرفت جميع أسراره، فطبيعي أن يحدث لك ذلك بعدما قررت أن تستمع لفحيل أصدق كاذب يمكنك أن تقابله داخل رواية.
أحياناً أبدأ قراءة كتاب وأوقن منذ أول صفحاته أنني سأبذل جهداً لأجد ما يمكنني التحدث عنه داخله، وهنا حدث العكس تماماً فلقد أشفقت على قارئي من طول مراجعتي وكثرة ملاحظاتي، وذلك لا يحدث سوى مع كاتب محترف متمكن من حروفه ومفرداته محكماً للحبكة الدرامية متفهماً أهمية الزمكان رغم تحركه بين الماضي والحاضر إلا أنه لم يفقد لحظة سيطرته على زمام الأمور وتفاصيلها الدرامية، وسلامة حبكته وتفاصيلها بما فيها من تصاعد أحداث يرضي فضول القارئ ويزيد إثارته.
عندما يكون الرعب ذو هدف إنساني وأخلاقي وديني
يجبرك الكاتب مع كل صفحة للتعاطف مع هذا العالم الذي يحمل من الخير والشعر كعالم الإنس تماماً، يحمل الصالح والطالح، ذو الأخلاق والفاسد، هوس النفوذ والسلطة، وقوة من يتمتع بالإيمان والخشوع والتقوى، فهناك عالم متكامل كعالمنا تماماً كما قال تعالى في كتابه (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)، فسوف تفهم من بين السطور التناص القرآني الموجود بكثرة داخل الرواية، وبطريقة غير مباشرة وظفه الكاتب للوصول لهدفه بسلاسة ودون مواعظ وحكم مبالغة تخرج القارئ من أجواء الرواية.
إذ كنت قد أحببت فحيل وتعلقت به قبل أن تتعرف على قصة حياته أعدك أنك بعد قراءة تلك الرواية سيزداد حبه أضعافاً ولن تخشى لحظة أن تذكر اسمه في أي وقت وأي مكان، ففحيل ليس كهؤال الجان في تلك الروايات التي قرأتها من قبل، هو فقط أراد أن يشكوا لك ظلم البشر، ويثبت لك من خلال قصته أن البشر غلبوا الشياطين في ظلمهم، ولكنك ستظل توجس خيفة منه فهو ليس بهين، فربما تجده يقف جوارك أو يقف أمامك، خلفك وفوق كتفك؛ ربما!
وعندما تعتقد أنك اقتربت من النهاية ومعرفة كل التفاصيل، تجد أنك لم تكن تفهم الحكاية وتتفاجأ بنهاية غير النهاية، ستجد أنك دخلت فجأة للجزء الثاني من الرواية دون أن تشعر، ليزيد التساؤلات بداخلك وكأنك دخلت لعالم آخر، ولكن إياك أن تنسى أن كل الطرق تؤدي إلى فحيل.
لا شك أنك رغم حبك لشخصية فحيل ستدرك هدف الكاتب الذي سيقنعك ببراعة وبطريقة غير مباشرة أن عالم الجن وما يحتويه يضع لك السم في العسل، يجعلك تصدقهم ولا تحذر منهم كما فعل معك فحيل تماماً، ومن ثم يضلونك عن الطريق فتكون لهم تابعاً في الضلال مغروز في وحل ضعف الإيمان، ورغم خيالية الأحداث إلا أنك ستقتنع بمنطقيتها وستتعاطف مع ذلك العالم الذي لا دخل له بتصرفات الإنسان الذي يوقع نفسه في الخطأ ويعود ويرمي اللوم على غيره وما أسهل شماعة الجن! وستجد تطبيق روائي لقوله تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فزادوهم رهقا) فهم في عالمهم آمنين لا يتدخلون فيما لا يخصهم ولا يعنيهم لا يملكون نفعاً ولا ضراً، بل هؤلاء الفئة من الإنس الذين غلبوا الشياطين في شرهم وهم من زادوهم جرأة وأعطوهم الفرصة لإذلالهم وتخويفهم وافزاعهم، وعندها تتأكد ان النهاية مرضية غير مخالفة للعقيدة، ومع ذلك ستغلق الرواية مقتنع أنها ليست النهاية ففحيل عائد لا محالة.