كثيرًا ما نَسمع إحداهنَّ تربط بينَ التعرّي والحُرّية، لا أدري ما الذي أوهمها أنَّ الحُرّيةَ تعني التخلّي عن الأدبِ قبلَ الحياء؟
وأُخرى تتشدق بكلامٍ لا يَقبلهُ العقل النَشِط؛ كأنْ تقول: أنا حُرّة أفعل ما أشاء، أنا حُرّة أرتدي ما أشاء، أنا حُرّة أحيا كيفما أشاء، بالطبعِ كلامها هذا عار من الصّحة؛ لأنَّها إنْ كانتْ كذلكَ فلتُطبّق مبدأها هذا في سائر الأمور، فمثلًا أمر الموت، إذا كانتْ لها الحُرّية الكاملة في فِعلِ ما يحلو لها إذًا لترفض أنْ تموت!
أجل، إذا جاءها مَلك الموت تقول لهُ: أنا حُرّة ولن أموت الآن.
كذلكَ الأمر بالنسبةِ لتاركِ الصّلاة عمدًا، وشارب الخمر، والزاني وغيرهم من مُرتكبي الكبائر، المُصّرونَ على ما يفعلونَ وهُم يعلمونَ عقوبةَ ذلك، والناكرونَ لأمرِ التوبة؛ إذ يَرونَ أنفسهم أحرارًا فيفعلونَ ما يحلوا لهم، أتساءل: هل يستطيع أحد أنْ يرفض دخول النّار إنْ كانَ أهلًا لها بعملهِ؟
بل هل يستطيع أحد أنْ يُدخِلَ نفسهُ الجنّةَ إنْ لم يتغمدهُ اللَّهُ برحمتهِ؟
ظاهريًا لكَ مُطلق الحُرّية لكنَّ الأمرَ غير ذلك؛ فما تفعلهُ اليوم في هذهِ الدُّنيا ستُحَاسب عليهِ غدًا في الآخرة، وهذا كفيلٌ أنْ يجعلكَ تلتزم طاعةَ اللَّهِ قدر طاقتك، فإنْ أنتَ اِلتزمتَ سَتوقِنُ أنَّ الحلالَ وحدهُ هو طريقكُ لنَيلِ رضا خالقك، وأنَّ الحرامَ ما هو إلَّا طاعة الشّيطان، وأعني بالحلالِ والحرام المفاهيم العامّة لكليهما، ولا أحصرهما في أمرٍ بعينه.
إذًا الحُرّية هي أنْ تختارَ أيّ الطريقينِ تسلُك؛ طاعة الرحمٰن أم طاعة الشّيطان؟!
ولتعلم بأنَّكَ مُحاسَبٌ على اِختيارك، فأحسِن الإختيار تفُز في الإختبار.
أمَّا عن السالفِ ذِكرها التي تربط بينَ التعرّي والحُرّية، فاللوم كُلّ اللوم على أبويها؛ لأنَّهما ظلماها حينَ ادّخرا جُهديهما في تربيتها، وتنشئتها تنشئة صحيحة طيّبة.
اللهمَّ رضاكَ نرجو فأعنّا على طاعتك، واغفر لنا ما لا يعلمهُ غيرك، ولا تحرمنا هِدايتك.