يعلم ابنتاي جيدًا كم أخشى الغرباء، لكن تلك السيدة العجوز التي طرقت بابنا وتحدثت الروسية تسأل عن الساكنة التي تسبقنا بإلحاح، تصرفي رسم الدهشة على ملامح فتاتيَّ، وأنا أفسح لها الطريق، وأحاول أن أوصل لها أن ابنتها غادرت الشقة، وأنا المالكة الجديدة، كانت عيناها تحتضن المكان، عين أم هربت منها ابنتها، سيدة عجوز تراكمت دهون صعوبة الحركة بجسدها الثقيل على ساقيها الواهنتين تتصبب عرقًا، يلتصق شعرها المشعث الذي يبدو أنه كان أشقر يومًا ما، يومًا كانت تحمل فيه ابنتها بين ذراعيها تهدهدها، ابنتها التي على ما يبدو منذ شهرين لم تأبه لها، تنظر بكل الغرف، تأخذ نفسًا عميقًا لا أظنه إرهاقًا بقدر ما كانت تبحث عن رائحة ابنتها وحفيدتها، وحينما أدركت الأمر، أحنت رأسها المحني من الهرم أكثر، وحملت حقيبتها الصغيرة، وشكرتني، وتأسفت بالعربية وذهبت، والتفت لبناتي وقد انتابني خوف آخر، خوف جعلهما يضماني بقوة لأنهما علمتا تمامًا هاجسي المرعب حينها ....