استيقظت الكاتبة العجوز -كما وصفت هي نفسها في حديثها- من نومها فرحة مسرورة فقد تخيلت أن مصر كلها تنتظر الندوة التي ستناقش كتابها الذي ظنت انه زلزل الدنيا، وهدم الحديث النبوي (ناقصات عقل ودين).
استفاقت وقامت وارتدت حجابها حتى توهم الناس أنها ملتزمة بالزي الإسلامي، وأنها ليست بعيدة عن التدين والالتزام، وأحضرت معها زوجها وأختها كمحطة تشويش تصد عنها أي نقد تتعرض له، أو ألة فرم تأكل كل من يحاول الاقتراب منها.
دخلت الكاتبة الصالون الذي تعقد فيه الندوة وجلست بجوار مقرر الجلسة ومدير اللقاء، وعن يمينها أختها.
بدأت الجلسة وبدأ الحضور يلقون نقدهم ومن ثم بدأت محطة التشويش العنيفة تعمل بقوة وشراسة، وانتشر الشغب والاعتراض وشاعت الشوشرة والضجيج الذي تصدره من تجلس في المعقد الثالث بجوار المؤلفة.
فما كان من مدير اللقاء إلا أن أخرج منديله ومسح عرق جبينه، وقال للمؤلفة: من فضلك سكتي بنتك اللي جنبك.. وما أن سمعت المؤلفة هذه الجملة، حتى اشتعل وجهها واحمر خدها وظهر عليها الفزع وحملقت إليه بغضب وقالت له: دي أختي مش بنتي.
من شهد الواقعة يقول لي: ضحكت كثيرا جدا من هذا المشهد ورأيت أنه في لحظة طفيفة عادت المرأة لطبعها وفطرتها وشخصيتها، عادت المرأة إلى المرأة، عادت لعقلها الصغير أحيانا، الذي يُعد مثل هذا القول انتقاصا لها، فإذا بالكاتبة بهذا التصرف الفطري تؤكد صدق الحديث النبوي (ناقصات عقل ودين) والذي جاءت للندوة كي ترفضه وتكذبه وتنفيه وتطعن فيه.
إشكالية الكاتبة أسماء الشرقاوي أنها تعتقد أن كلمة (ناقصات) الواردة في الحديث، سبة ومهانة وشتم ونقيصة، بينما هي في حقيقتها تعبير عربي فصيح، لكن الكاتبة قومت اللفظ ونظرت إليه بأيامنا هذه ومنطوقه في أعرافنا بأنه سب وشتم ونقص، فلو أنني مررت على أحدهم وقلت له: يا ناقص، لكان هذا اللفظ هو السبة العظيمة التي ليس بعدها سبة.
لقد اعتقدت الكاتبة ذلك بلغة عصرنا، وتحيرت وتساءلت كيف يكرم الرسول المرأة ثم في نفس الوقت يهينها؟ وجلست وفكرت وتأملت وتفتقت، وتخيلت نفسها عبقرية الزمان وفيلسوفة المكان، وقالت: لابد أن أبحث في الأمر ثم هداها بحثها أو خرفها إلى تكذيب الحديث الشريف الصحيح زاعمة أن متنه لا يوافق المألوف من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأنا أتعجب من هذا الهراء وأتخيل مثلا قوله صلى الله عليه وسلم: والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يديها.. وأقول: ألا يُعد وصف فاطمة باحتمال السرقة سبة ونقيصة؟ وهل أهان النبي المرأة حينما وصفها باحتمالية السرقة المبنية على لفظ لو؟
إن النبي يقرر الحكم لو حدث ذلك، كما أنه في حديثه الشهير (ناقصات عقل ودين) يصف حالا وواقعا وطبعا وخاصية جعلها الله للمرأة ولا يرمي الحديث أبدا كما تظن الكاتبة أنه إهانة وتوبيخ.
* الكاتبة التي ظنت نفسها مفكرة عملاقة ومشروع تنوير غير مسبوق، أخذت تقول للحضور مستغلة جهل البعض وقلة تفكير البعض الآخر: كيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم إن النساء ناقصات عقل ودين، وهي وصف الرخصة التي شرعها الله لهن؟ ومعنى ذلك أن ترخيص الشريعة للمسافر بالفطر وعدم الصيام يعد كذلك نقصًا، أي أن الرجل أيضا ناقص.!
الراوي لي ذكر أن ذلك منطق طرحته ولها فيه تصور معقول، ولكني تعجبت لقوله وقلت: كيف يكون معقولا وهناك فرق بين نقص عارض لرجل سافر مرة أو مرتين في حياته، وبين امرأة تترخص طول حياتها، ويلازمها هذا الحال أغلب عمرها؟ إن التصور العقلي الذي بنت عليه الكاتبة كلامها تصور غير مقبول..
ولله در أحد المعلقين بقوله:" المصيبة أن الكاتبة بكتابها التافه الهزيل وبسلوكها تسببت في تأكيد الحديث الشريف وبمعناه السلبي الذي لم يقصده النبي أصلاً !!"
ثم ذكر لي الراوي ما أدهشني وهي أن الكاتبة أعدت عدتها وجيشت جيوشها في هذه الندوة التي عقدت لمناقشة كتابها، وأحضرت معها محطة تشويش تقاطع كل من حاول الرد عليها وتمثلت في زوجها وأختها كما أشرنا حينما قال لها المقرر سكتي بنتك.!
وكان مع محطة التشويش عالم من جامعة الأزهر، وإمام وخطيب بالأوقاف، ودكتور نفساني أو نفساوي.. وهم الثلاثة الذين قاموا ابتداء في كلامهم بمدح الكتاب وإطرائه والرضا عن كاتبته، حتى توهم الناس أن الأزهر والعلم يؤيدان ما رمت إليه، وهو ما يعد جريمة نكراء سأذكرها بعد قليل خاصة من جانب حضور الطرف الديني.
ذكر لي الراوي مغالطة رهيبة وافتراء بشع حاولت الكاتبة تأصيله والبناء عليه، والادعاء بأنه حقيقة علمية تاريخية، واستمع إليها الجمهور في هذا الهرف وصدقوها وظنوا أنه من المسلمات العلمية، بينما هو في الحقيقة كذب وافتراء وبهتان ومن شبهات المستشرقين المعروفة التي افتروها للطعن في السنة النبوية، ورددتها الكاتبة وراءهم كالببغاء دون الوقوف على حقيقة الشبهة والرد عليها من قبل العلماء المتخصصين في السنة والنبوية.
تقول الكاتبة ما قاله المستشرقون قديما زورا وبهتانا وهو:
" إن الحديث النبوي الشريف بقي مائتي عاما غير مكتوب لم يدون وبعد هذه المدة بدأ المحدثون في التدوين، وأن هذه المدة الطويلة كافية بالنسيان والتلفيق وضياع الحديث بلفظة ومعناه وربما إضافة ما ليس منه إليه.. وهي نفس شبه المستشرقين التي بنت الكاتبة كلامها عليها وكان غرضهم كما هو غرض الكاتبة التشكيك في السنة النبوية واتهام الرواة بالوضع والاختلاق.
ونرد على افتراء الكتبة فيما ادعته بما يلي وهي ردود معروفة يمكن الرجوع إليها في كتب الرد على الاستشراق..
الأول: إن تدوين الحديث النبوي بدأ من العهد الأول في عصر النبوة وشمل قسما كبيرا جدا من الحديث ولم ينتظر 200 سنة كما تدعي الكاتبة
ثانيا إن علماء الحديث وضعوا شروطا صارمة في رواية الحديث وقبوله تكفل نقله عبر الأجيال بأمانة وضبط ليؤدي كما سمع تماما من رسول الله ، ولم يكتفوا بهذا بل وضعوا شروطا للرواية المكتوبة.
ثالثا: إن البحث عن الاسناد لم ينتظر مائتي عام كما توهمت الكاتبة، بل إن الصحابة كانوا يفتشون عن الاسناد منذ العهد الأول للنبوة وحينما وقعت الفتنة الكبرى كان الصحابة إذا روى أحدهم رواية قالوا سموا لنا رجالكم.
رابعا: إن المحدثين لم يغفلوا ما اقترفه الوضاعون وأهل البدع والمذاهب السياسية من الاختلاق في الحديث والوضع فيه، وكانوا بصيرين منبهين محذرين وهذا يدل على اليقظة وتوتر العلم بشروطه المنهجية.
خامسا : كان الاعتماد الاكبر لدى السلف على الحفظ والرواية وتلك مزية لأمتنا عن غيرها.
كان هذا أول افتراء وجهل من الكاتبة بمسألة تدوين السنة وقد رددنا عليه وكتب الحديث والتاريخ والاستشراق تفند أكاذيبها.
لم تكتف الكاتبة بهذا بل ادعت وتمسكت بأحاديث نبوية في سندها تضعيف حتى تؤيد وجهة نظرها وهي أي من شبهات المستشرقين حيث قالت:
إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تدوين وكتابة الحديث لقله صلى الله عليه وسلم: (لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)
والحديث معلول لا يرقى إلى درجة الصحة وعلى فرض صحته فقد وردت أحاديث نبوية بالأمر بالكتابة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لأبي شاه وحديث أبي هريرة كان عبد الله بن عمر يكتب ولا أكتب، وحديث: اكتب فوالذي نفسي بيديه لا يخرج من فمي إلا الحق.
وقد اجتهد العلماء في التوفيق بين الأمر والنهي بقولهم:
1- إن النهي عن الكتابة منسوخ في السنة بالأمر بها بعد ذلك
2- إن النهي لم يكن مطلقا بل كان النهي خاصا بكتابة القرآن والحديث معا حتى لا يختلط الامر
3- إن الأمر عن الكتابة كان خاصا بالصحابة الذين كانوا يأمن عليهم من الخلط والنسيان أما غيرهم فأصابهم النهي.
ومن هنا يتضح لنا بجلاء فساد دعوى الكاتبة وانتهاجها وترديدها لأكاذيب المستشرقين، ومن المحزن أن الناس يجلسون ويتصورون أنها تتكلم كلاما علميا سليما، بل الجريمة النكراء التي أشرت غليها سابقا أن يكون يعلن هذا الزور بحضور عالم من جامعة الأزهر وشيخ من شيوخ الأوقاف.
تصفحت الكتاب ونظرت فيها فإذا بالكاتبة تنقل ثلاثة أرباعه من كتب العلماء وكتب المستشرفين وتتكلم عن أمور معروفة سلفا وأشياء لا علاقة لها بالموضوع ويمكن تفاديها، ولكنها أحبت أن يقال إنها صاحبة كتاب، فأخذت تحشوه حشوا كان يمكن الاستغناء عنه.
ما يحزنني أن أمثال هؤلاء يستغلون جهل الناس وقلة علمهم بالقرآن والسنة وشبهات التغريبيين ويأخذون عبر هذا الجهل لينفسوا سمومهم.
الكاتبة خريجة اقتصاد وعلوم سياسية وليس لها منحى التخصص الديني الذي يؤهلها للحديث عن قضايا الدين الذي لا يؤخذ بالهوى والمزاج ولكن له أهله والمتخصصون فيه.. ولكن ماذا نقول؟!
وإذا اردت ان تعرف فوق هذا نفسية الكاتبة، فإياك ثم إياك ان تنسى أنها وصفت معارضيها بالصراصير.
ومن المضحكات المهلكات أن الكاتبة كانت تصيح في الناس تقول لهم: البخاري مش معصوم، وهو قول يدل على جهل فاضح لأنها تتصور أن البخاري من ألف الأحاديث وكتبها من ذات نفسه، ولا تعلم أن الرجل جمعها وفق شروط بلغت من الصعوبة والتشدد الرهيب في شروط الرواية ما يبلغ حد الإعجاز، وكل من علم أسانيد البخاري جزم بان هذا الرجل وكأنه كتب كتابه بعناية الله، حتى وصفه العلماء بانه أصخ الكتب بعد كتاب الله.