رأينا جمالها، وشهدنا عطفها وكرمها، وعاصرنا شبابها الملهم. كانت أيقونةً للثورات، ورمزًا للتغيير الديمقراطي، لا تساوم في قضايا الحقوق الإنسانية، ولا تتراجع عن مناصرة المرأة وقضاياها. رُبَى لم تكن مجرد طالبة في جامعة، بل كانت صوتًا وموقفًا، وكانت نقطة تحوّل في مسيرة الوعي الطلابي والسياسي في السودان.
أذكر ذات يوم، كنّا مجموعة من الطلاب في مقدمة الصفوف، تقودنا رُبَى خلال مخاطبة جماهيرية حاشدة. رفعنا شعارات مثل:
"لن نساوم، لا تفاوض، لا شرعية للبلطجية."
وخرجت رُبَى شامخة، بصوتٍ جهوري، تخاطب الجماهير بكلمات رصينة، بلغة تخاطب العقل، وتلامس الوجدان. فجأة، أعلنت من ذات المنبر بدء اعتصام مفتوح أمام مكتب عميد شؤون الطلاب، وهددت بتوسيعه نحو مكتب الإدارة إذا استمرت المماطلة في تنفيذ المطالب الطلابية.
كانت تردد:
"طالب يا طالب، بحقك طالب!"
ويردد الجمع من خلفها:
"استقيل يا ثقيل!"
خرج ممثل عن العميد، موظف معروف لدى الطلاب، فقوبل بهتاف غاضب:
"ما دايرنك، دايرين الجايبنك!"
كانت مخاطبة مفصلية، حافلة بالمشاهد والمواقف، شكّلت منعطفًا تاريخيًا في مسار الحركة الطلابية. وبسببها، كادت رُبَى أن تُفصل من الجامعة، لولا أن الطلاب أنفسهم وقفوا سدًا منيعًا دفاعًا عنها. حين بلغهم تسرب نية فصلها، جمعوا بطاقاتهم الجامعية وتركواها في مكتب سكرتارية مدير الجامعة، معلنين:
"إذا فُصلت رُبَى، فهذه استقالة جماعية من الجامعة."
مرت السنوات، وتقدمت بنا الأعمار، وأصبحت رُبَى من الشخصيات البارزة في ولايتها. لم يتوقف عطاؤها عند أسوار الجامعة، بل امتد إلى بناء المدارس وفتح المراكز الصحية، حتى صارت سيرتها حاضرة في دفاتر العمل الخيري، وذاكرة الوطن.
وذات مساء، كنت على ضفة النهر برفقة أصدقاء نناقش خطة عمل لشركة زراعية، فمرّت رُبَى. ألقت التحية، وكان صوتها كما عهدناه. نهضتُ لمصافحتها، فابتسمت بتواضع، وذكّرَتنا بلحظات النضال الأولى. أخبرتني أن السودان ما يزال بحاجة إلى طلابٍ مثل أولئك الذين واجهوا الظلم بشجاعة، ودافعوا عن المظلومين بإصرار.
ومع تمدد أعمالها وتقدم عمرها، ظلت تحافظ على شخصيتها، وجمالها، وابتسامتها الهادئة التي لم تفارقها يومًا. قبل أن تهمّ بالمغادرة، قدمت لي دعوة لحضور مناسبة اجتماعية، وأخبرتني أن عددًا من رفاق الدراسة والنضال سيحضرون.
كانت تلك دعوةً لاسترجاع الذاكرة... وللتذكير بأنّ صوت الحرية لا يشيخ.