ثمة صباحاتٌ لا تشبه سواها، تنفض عن الروح غبار الأيام، وتُشعل في الجسد حياةً أخرى. اليوم، أشرقت الشمس على قلبي قبل أن تطلّ على النوافذ، شعرت وكأن شيئًا ما في الكون تغيّر، كأن هناك قوى خفية، عظيمة، رفعت عني أعباء أثقلت كتفي، ومسحت عن جبيني تعبيرات القلق، وأودعت في صدري سكينةً ما عهدتها من قبل.
ليس وهمًا، ولا مبالغة... بل هي الحقيقة حين تأتي متأخرة كهدية ثمينة، صباحٌ يشبه مائدة فواكه نضجت بألوان الفصول الأربعة، فيها من عبق الربيع، وهدوء الخريف، ودفء الصيف، ونقاء الشتاء. صباحٌ تنفتح فيه أبواب الأمل، وتتنفّس فيه الروح براحة نادرة.
الجوارح كلها أعلنت امتنانها، كما تفعل الغيوم حين تمتلئ بالمطر ثم تمضي، كأنها تُبشّر بخير قادم. شعرت أنني — ولأول مرة منذ زمن — أعيش في مركز الطمأنينة، في بؤرةٍ دافئة من الحب وراحة البال، بعيدًا عن ضجيج الشكوك، وصخب التوجّس.
نحن لسنا من أولئك الذين تهزمهم العقبات، ولا من الذين يُرهقهم الطريق. نحن نصنع خطواتنا بثقة، ونبني أحلامنا بوعي، ونتجاوز كل عثرة كما لو كانت درسًا لا هزيمة. فمن أراد الحياة، عليه أن يؤمن أن التحديات ليست سدودًا، بل جسورًا تعبر عليها الإرادة.
لقد مضى العالم أمامنا بخطط مدروسة، وعلومٍ لم تولد صدفة، بل نُسجت بعقولٍ اجتهدت وقلوبٍ آمنت بالنهضة. وفي غمرة هذا التقدم، نحن بحاجة إلى أن نفيق من غفوتنا، أن نُدرك أن التكنولوجيا ليست فقط رفاهية، بل أداة للبقاء، وأن الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا، بل ضرورة تفرضها حركة الزمن.
فلننهض... لا كمن يركض خلف القطار، بل كمن يصنع السكة، ويقود العربة، ويدرك تمامًا إلى أين تمضي وجهته.