شكرًا بحجم السماء، يا وردتي الجميلة...
في حضرة حضوركِ، يصبح العمر ضيّقًا عن استيعاب هذا الكمّ من الجمال، كأن لحظاتنا معًا تتجاوز قدرة الزمن على القياس.
اكتفيت منكِ بهذا القدر المهول من السعادة، التي لا تشبه شيئًا سوى الحلم القديم الذي نسجناه معًا منذ لحظة الوعي الأولى.
كنا نرى الحياة بعين الطفولة، نغزل الأمل بخيوط الخيال، ونركض خلف ضوءٍ لا يخفت.
لكن العودة إلى الطفولة أصبحت من أضغاث الأحلام، ومضت بنا الأيام حتى أدركنا أن النهاية ليست خيارًا نملكه، بل قدرًا مكتوبًا منذ أن جئنا إلى هذا العالم.
لن نغادر بإرادتنا، ولن نختار موعد الوداع، فذلك من شأن السماء وحدها.
لكن إن اقترب الرحيل، فلا تبكِ لأجل فراقٍ قد لا يكون سوى بوابة لحياة أخرى، أكثر سكونًا وسلامًا.
نحن لا نغيب عن الوجود، بل ننتقل إلى الدار التي تجمع الأرواح... المأوى الأخير، حيث لا ألم، ولا شتات.
إن ودّعتكِ، فلن يكون لأنني اخترت، بل لأن ما كُتب كان لابد أن يُنفذ.
لكنني، رغم كل شيء، لا أريد أن أرى دموعك.
الدموع توجعني، تشقيني، تحفر في داخلي وجعًا لا يندمل.
لا تتركي للوداع أن يكسرك، دعي الذكرى وحدها تبقى، طيّبة، نقية، كما عشناها.
لا تنبهري بماضٍ طال عمر من سكنوه...
فمن بلغ الكهولة لم يكن بالضرورة محظوظًا، بل أحيانًا كان الموت لهم رحمة، لكن الجرأة على الاعتراف بذلك نادرة.
كثيرون بقوا فقط لأنهم لم يجدوا وسيلة للرحيل، لا لأن الحياة منحتهم شيئًا.
حتى والدتي، تلك العظيمة التي كانت كلّ شيء، رحلت دون وداع.
ولذا قررت ألا أودّع من أحب، لا ضعفًا، بل لأنني أؤمن أن الحب الحقيقي لا يعرف نهاية.
الحب الذي يسكن القلب لا يرحل مع الأجساد، بل يظل حيًّا، يتغذّى من الذكرى، وينبض في كل لحظة عابرة.
نعم... لم أودّع أحدًا، لأنني اخترت أن أحتفظ بالجميع في داخلي، كما كانوا، كما أحببتهم.
وهكذا، إن غبتُ يومًا، لا تبحثوا عني في التراب...
بل ابحثوا عني في الحنين، في الأغاني القديمة، في الحروف التي تركتها خلفي،
وفي ذلك الحُبّ الذي لا يعرف نهاية.