تطوّر الصراع في السودان واستمر لأكثر من عامين، دُمّرت خلالهما البنى التحتية، وانتهكت الأعراض، وقُتل الأبرياء بدمٍ بارد. ورغم أنه لا يوجد أي مبرر لقتل النفس التي حرّم الله قتلها إلا بالحق، إلا أن طرفي النزاع انغمسا في العنف منذ اللحظات الأولى للمعركة، متبادلين الاتهامات بشأن من أطلق الرصاصة الأولى. غير أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه: هل يهم المواطن، الذي سُفك دمه، مَن أطلق الرصاصة الأولى؟
منذ بداية الصراع، خيّم التنافس على السلطة السياسية على أجواء النزاع، رغم أن أياً من الطرفين لم يصرّح بشكل مباشر برغبته في السيطرة على الحكم. القوات المسلحة السودانية، في حملاتها الإعلامية، ادعت أن الصراع فُرض عليها، ووصفت الحرب
بأنها حرب كرامة وحرب وجود في المقابل رددت قوات الدعم السريع خطابًا مفاده أنها تخوض الحرب لاسترداد الديمقراطية وانقاذ الشعب من دولة 1956م وهو الشعار الابرز في منصاتها الإعلامية
مع مرور الوقت، سعى كل طرف إلى حشد المواقف السياسية والعسكرية لصالحه، واستجلاب الدعم الداخلي والخارجي، وفتح الباب أمام التعبئة العامة، لا سيما في أوساط الشباب. وعملت القوات المسلحة على استعادة منسوبيها الذين أُحيلوا إلى التقاعد أو فُصلوا تعسفياً في فترات سابقة من الخدمة العسكرية
ومع التحول الكبير في موازين المعركة عسكرياً وسياسياً، خاصة بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على عدد من الولايات والمدن، بدأت هذه القوات في ارتكاب الفظائع والمجازر، حيث قتلت المدنيين الأبرياء، واستباحت المدن والقرى، وارتكبت جرائم اغتصاب، ومارست أبشع صنوف العنف المفرط.
شيئاً فشيئاً، أدرك معظم المواطنين أن قوات الدعم السريع لا تقاتل من أجل مصلحة الشعب، ولا تسعى لاسترداد الديمقراطية، ولا للخلاص من دولة 1956، بل تخوض معركتها لهدفٍ خفيّ هو تمزيق وحدة السودان، وتدمير مقومات الدولة. وقد نجحت في تحقيق جزء من ذلك، حيث شرّدت المواطنين من منازلهم، وقتلت من تبقّى منهم بوابل من الرصاص والأسلحة الثقيلة. كما دمرت الشركات والمصانع، والمرافق الحكومية، والمواقع الأثرية، ومراكز الأبحاث العلمية، وحتى دور العبادة لم تسلم من فوضاها وغضبها الهمجي.
في خضم هذا الخراب، علت أصوات مدنية وكيانات سياسية مطالبة بوقف الحرب، وتبني اتفاقيات تفضي إلى حل سياسي عبر التفاوض. غير أن تلك الجهود تعثّرت مبكراً في اتفاقية جدة، بعد أن أخلّت قوات الدعم السريع ببنود الاتفاق ورفضت تنفيذها، مما عقد المسار التفاوضي وأغلق الباب أمام أي عملية سياسية حقيقية. وهذا المأزق السياسي صبّ في مصلحة الدعم السريع، خاصة مع سيطرتها على مدن وولايات كاملة، الأمر الذي جعل إدراج هذه الوقائع في طاولة التفاوض مكسباً لها وخسارة للقوات المسلحة.