هل فشل العلاج الطبيعي أم تراجع دور الإنسان في الإصغاء للطبيعة؟
لم أتقدم يومًا لدعوة العلاج بالطب البديل، ولم أُنادِ به بديلًا للعلم الحديث، لكنّ التجربة أثبتت أن هناك أمراضًا كثيرة كـالملاريا والتهابات الحلق واللوز والكحة، ظلّ الريفيون يتعافون منها دون المرور على أي مركز صحي، مكتفين فقط بما توفره لهم الطبيعة من خيرات.
في قرى الريف السوداني، لا يزال كثير من الناس يعالجون أنفسهم بثمار شجر السنط وحبات الكركدي. يُسحنان بعناية، ثم يُنقعان في الماء منذ المساء، ويُشرب المزيج عند الفجر، قبل تناول كوب الشاي. وصفة تقليدية لكنها، في نظرهم، وصفة مُجربة لعلاج الكحة والالتهابات، ومفعولها لا يُستهان به.
آخرون يفضلون خلطة العسل وزيت السمسم والكمون مع ثمار السنط وقليل من الملح، تُخلط معًا وتُدلك بها الرقبة والظهر، خاصة للأطفال. هذه الوصفة الشعبية لا يكاد يخلو منها منزل، وتُورث كما تُورث الحكايات والأمثال.
وتُستخدم أيضًا أوراق شجر النيم، تلك الشجرة ذات الظلال الكثيفة والرائحة القوية، في أغراض طبية متعددة. تُغلى أوراقها في الماء، وتُستخدم كحمّام تطهيري للمرأة بعد الولادة، وهو طقس صحي يهدف لتعقيم الجسد من الداخل والخارج. كما تُستخدم نفس الأوراق لعلاج الملاريا، إما بالاستحمام بمائها أو بشرب مغليها المرّ الذي يعرفه أهل الريف جيدًا، وقد خبروه جيلاً بعد جيل.
ربما يعود هذا إلى طبيعة إنسان الريف، الذي اعتاد في السابق الترحال مع الماشية بحثًا عن المرعى، أو هربًا من الجفاف ومخاطر البيئة. لم تكن هناك مراكز صحية، بل رجالٌ من أهل الحكمة والدراية يعرفون أسرار الأعشاب وفنون التداوي. يكفي أن نقول إن المرأة كانت تلد هناك دون مخدر، ودون عمليات، في بيئة طبيعية خالية من أدوات المستشفيات الحديثة.
لكن الزمن تغيّر، وأصبح الطب الحديث حاضرًا في كل مكان، حتى أن القرى الصغيرة لا تكاد تخلو من مركز صحي. وإن غاب عنها، فهناك دائمًا مركز في القرية المجاورة، على بعد عشرة كيلومترات أو أقل. هذه المراكز اليوم مكتظة بالمرضى، وغالبيتهم يعانون من الملاريا والتهابات متعددة. للوهلة الأولى، يظن الزائر من بعيد أن في الأمر خطبًا، ويقف مذهولًا أمام هذا التوافد الجماعي. لماذا كلهم يشكون من ذات العلة؟!
تعود بك الذاكرة إلى الأمس القريب، حين لم يكن الناس يعرفون أمراضًا سوى الصداع والملاريا. أما اليوم، فقد تسللت إلى حياتنا أمراض تقشعر لها الأبدان: جلطة، ذبحة، سرطان… حمانا الله وإياكم منها. أمراض مزمنة تُحيل الحياة إلى دائرة من القلق والزيارات المستمرة للمراكز الطبية.
هنا، يطرح العقل سؤالًا جوهريًا: لماذا هذه المجتمعات، تحديدًا، تمتلئ مراكزها الصحية بالمرضى؟ ومعظمهم يشكون من الملاريا! أين ذهبت تلك الطرق البديلة؟ تلك الخلطات والوصفات التي ورثناها عن أجدادنا وآبائنا الأوائل؟ هل أعلنت فشلها؟ أم أن أجسادنا، التي اعتادت في العقود الأخيرة على الأدوية الكيميائية، لم تعد تستجيب لنداء الطبيعة؟