في السنوات الأخيرة ومنذ حقبة بروز الانقلابات العسكرية على الحكم الديمقراطي في السودان نشبت صراعاتٍ كبيرة تجاوزت حد الاختلافات السياسية التي نشهدها في عالم الدول التي تعاني مشاكل الاختلافات السياسية الشاهد أن السودان إن تعافى لبعض سنوات منذ نيل الاستقلال في يناير 1956م فلم يصمد أي نظام حكم مدني وأي حكومة ديمقراطية أمام أطماع العسكر للسلطة وانقلاباتهم الثابتة وإن جاءت بواجهات وقيادات عسكرية جديدة لكنها شربت من ذات الكأس فانقلاب جعفر النميري على الحكومة الديمقراطية والذي استمر حكم نظامه ستة عشر عامًا، هذا النظام وإن لم يصمد أمام رغبة الشعب السوداني وتطلعه لحكم مدني ديمقراطي راشد لكنّه مهد لأرضية انقلاب عسكري أمام الحكومة التي أطاحت به فكان ذلك واضحًا فتح النميري صراعات مع المجتمع الجنوبي والسودان في قنع عنها تمامًا، هذه الصراعات انتهت نتيجتها بانفصال جنوب السودان كدولة مستغلة بذاتها.
الصراعات التي تركها نظام جعفر النميري خاصة فرضه للهوية العربية و منع حملات التبشير وقمع الحريات الدينية شكلت مخاوف المجتمعات التي تدين بغير الإسلام وهذا كان أحد اهم قضايا الانفصال الذي حدث في زمن آخر لكنه نتائج مظالم متراكمة لمجموعات جنوب السودان والذي اتضح لاحقًا وأثبتته الأيام أن خلاف السودانيين لم يكن خلاف شمالي جنوبي فقط بل هناك صراعات ظلت تتراكم خاصة قضايا الهوية وقضايا توزيع الثروة والموارد وأيضًا غياب الدستور الدائم هذا شكل صراعات ظل يدفع فاتورتها المواطن السوداني الذي عان ظلم الحكام وفشل النخب وتمسك العسر برغبتهم في الحكم لنقل الكلام بشكل واضح ليس تمسكهم بالمشاركة السياسية فقط بل التطلع الثابت لحكم السودان ويدار عسكريًا وهذه لم تكن رغبة الشعب في اي من الحالات
عندما انقلب نظام الجبهة الاسلامية على حكومة الصادق المهدي (فترة الديمقراطية الثالثة) وسيطر على حكم السودان لمدة ثلاثون عامًا منذ الاستيلاء الكامل على السلطة والدولة مكن نظام الجبهة الإسلامية كوادر الحزب في كل مفاصل الدولة ما يمكن وصفه بالضبط حدوث تغيير حقيقي في دولاب الدولة والمؤسف إنه تغيير جاء لمصلحة الحزب الحاكم وليس لصالح الشعب وهذا ما جعل الشعب ينتفض في عام 2018بملوينة هادرة وحاشدة أسقطت النظام الحاكم، وفق المعلومات والأحداث التي حصلت نجد أن نظام الجبهة الإسلامية حقق رغبة العسكر في تمسكهم بالحكم العسكري لكن تحت عباءة المؤتمر الوطني ليصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة هو رئس الدولة ورئيس حزب المؤتمر الوطني اذا المؤتمر الوطني متسامح في دستوره بان يكون أعضاءه عساكر فهذه تنفي صفة الحزب المدني إن كان هناك فاعلية لوضع مفوضية تسجيل الاحزاب التي يمكن ان تنظر في مثل هذه الحالات حتى تقفل الباب أمام رغبة العسكر، هذا مدخل لصنع الملايش وقد حدث بالضبط
طوال فترة حكم نظام الجبهة الاسلامية فرضت الهوية العربية وثقافة الاسلاموعروبية هذا خلق نزاعات كبيرة وسط المجتمعات السودانية لم تتعافي منها رغم التغيير الذي أحدثته وصنعته ثورة ديسمبر العظيمة التي شارك فيها كل أبناء وبنات الشعب السوداني بمختلف تكويناتهم وأعمارهم وحتى جميع الأحزاب المدنية وحركات الكفاح المسلح لكن ظلت هناك مشكلة عالقة تتعلق بالهامش الجغرافي وهيمنة المركز على إدارة الدولة، المعالجات التي عمدت حكومة المؤتمر الوطني لفعلها متمثلة في تعين أبناء المنطقة الذين ينتمون للحزب الحاكم كولاة لولاياتهم هذا لم يجدي نفعًا للأمانة وإن كان المقصد نبيل إذا تجاوزنا مرارة الحزب نفسه لكن هذه الحيلة التي عمدت على إسكات الأصوات التي تندد وترفض تمسك المركز في ادارة الدولة تم كشفها مبكرًا لأن جذور الأزمة لم تعالج بتغيير أشخاص فقط، هناك خلل في إدارة الدولة وهناك مشكلة كبرى تتمثل في أزمة الصراع المركب فقضية الهوية الأحادية لا تصلح لإدارة السودان المتعدد إذا رضي أعضاء الحزب الحاكم بفرض هوية أحادية داخل حزبهم فالحزب ليست بحجم الدولة التي تحتضن وتحتوي على تعدد ديني وثقافي وسياسي وعرقي فلا يمكن إدارة هذا التعدد بفرض هوية أحادية على هذه المجتمعات فهذه تعتبر هوية مفككة لوحدة السودانيين والتي مزقت ما بقي بعد انفصال نصفنا الاخر، مضي نظام الجبهة الاسلامية بذات الطرق التي سبقوه من قبل لكنه تمادي بدكتاتورية وعنجهية تجاهل قضايا الريف وقضايا التعليم وقضايا الوحدة الوطنية وقضايا الاقتصاد بل وأفرغ الدستور من ماهيته وهدفه ليس الدستور الذي نسعي جميعًا إلى صنعه ليكون دستورًا دائمًا يصبح مرآة لكل السودانيين والسودانيات بل كان دستور كأنه نظام أساسي للحزب فقط.
إذا نظرنا للقضايا التي تبنتها بل و قامت من أجلها حركة الانيانيا _١ الانيانيا _٢ في الثمانينيات نجدها ذات القضايا التي تبنتها حركات الكفاح المسلح في 2005 فلم تعالج جذور الازمة السودانية التي على رأسها مسألة الهوية السودانية التي يمكن أن تجمع السودانيين و يتفقوا حولها وأيضًا الدستور الدائم
فمهما كان هناك استقرار سياسي أو اقتصادي علينا كسودانيين تجنب الهوية المفككة لوحدتنا وترابطنا وتماسكنا السودان للجميع والسودان يسع الجميع فلا نفرط في وحدتنا مها جابهتنا تحديات وعوائق نقع لكننا نقوم متحديين شاهرين هتافنا نحو السماء الوطن للجميع والسودان يسع الجميع