كنت بعد ما زلت في العاشرة من عمري تقريبا أو اقل قليلا حين غرقت في مكتبة أبي المتنقلة والموجودة في جميع أرجاء شقتنا بحي شبرا العريق حيث بيت العائلة، حين وقع في يدي كتابا ضخما له مجلد أصفر مكتوب عليه بخط منمق "الفيلسوف .. رواية بقلم محمد السباعي"
ولوهلة ورغم ثقل الكتاب وضخامته خصوصا في سني الصغيرة تلك قررت أن أبدأ بقراءته، ولشد ما كانت دهشتي حين فوجئت ان الرواية تتألف من جزأين أحدهما كتبه الأب محمد السباعي والجزء الثاني كتبه الابن يوسف السباعي لأجد بين يدي قصة غارقة في الرومانسية والجمال وأزعم أن ذائقتي الأدبية والروائية تفتحت على هذه الرواية بعد ان كنت غرقت في الروايات المترجمة التي تعج بها مكتب أبي وكما بكيت في رواية سيرانو دي برجراك بكيت في رواية الفيلسوفوكما تفتح الشعر في قلبي حين قرات مسرحية مجنون ليلى" لأمير الشعراء أحمد بك شوقي والتي استغرقتني حتى كنت ابكي كلما قراتها ثم حفظتها عن ظهر قلب.
لم تتوقف علاقتي بعدها بيوسف السباعي فقد شكل وجداني عاطفيا عبر أفلامه المأخوذة من رواياته مثل بين الأطلال ورد قلبي وجفت الدموع ورد قلبي والليلة الأخيرة هذا الفيلم الذي أحببته أنا وبابا حبا كبيرا جعلنا نشاهده مهما تكرر عرضه وأخيرا العمر لحظة الذي اعتبره من اعمق وأصدق ما كتب عن حرب اكتوبر فنيا وسينمائيا.
كانت رواية الفيلسوف هي بداية فهمي العميق للرومانسية في سن مبكرة جدا ولا سيما حين عرفت ان الرواية كتبها الاديب محمد السباعى ولكن القدر لم يمهله ليكملها ووافته المنية إلا أن ابنه الأديب يوسف السباعي أكملها وطبعها في تلك الطبعة التي وقعت في يدي.
للأسف ورغم احتفاظي بالرواية لسنوات طوال وقراءتي لها أكثر من مرة اختفت كما اختفت كتب عديدة منذ ان غادرنا بيتنا في شبرا هذا البيت الذي درجت فيه بين الكتب والدفء والمحبة الغامرة التي اكتشفت مؤخرا أنها قلما توفرت لإنسان كما وفرها لنا بابا وماما وجدتي، بيتنا الذي كلما كتبت رواية أجده قابعا وسط مناضدها وزواياها ومقاعدها كأنما أثثته في قلبي وليس في شبرا، و ظل هذا البيت في قلبي رغم فراقي له، وللآن لم يستطع بيت سكنته ان يرد لي قلبي الذي في بيت شبرا.رحم الله يوسف السباعي فارس الرومانسية.
دينا عاصم