إستيقظ من سباته العميق تحسس زوجته الغارقة فى نومها ..نظر إلى أطفاله النائمين ..قبلهم..نهض من مخدعه لا يدرى ما الساعة الآن خرج من الغرفة ناظرا فى المرآة دقات قلبه يرتفع وجيبها ..لا يدرى ما سر هذه الكآبة هل هو الملل ؟ هل هى رتابة الحياة ...هل هو حزنه لأنه لم ينل مبتغاه أن يكون كاتبا مرموقا وشاعرا يشار إليه بالبنان ؟ هل أحس بالظلم الواقع عليه من رؤسائه يلقى بظلاله عليه ؟؟نظرإلى نفسه فى المرآة ثانية ..فلم يجد ذلك الشاب الممراح الساذج الطيب ذو الملامح النضرة وإنما وجد رجلا أصلعا ,,,تمتلئ وجناته بنظرات اليأس والغضب ....خرج مسرعا ..نظر نظرة سريعة إلى مكتبته العملاقة التى أنفق في جمعها سنين عمره ...وراح ينتقى منها كتابا ليقرأه ...ليهدئ من روعه ..فلم يجد ...ثم راح يقطع الردهة جيئة وذهابا إلى أن قرر *أن يفتح باب الشرفة ..ليشم نسيم الهواء ...جلس على سور الشرفة ....وما أن جلس
...وفجأة ...سمع صوت أذان الفجر ...تذكر أنه منذ زمن لم يصلى الفجر فى المسجد ...تذكر أنه مقصر ...فى حق الله أيما تقصير ...إغتسل ...أحسن الوضوء ...لبس جلبابه الأبيض ,,وضع قطرات من المسك على نواحى متفرقة من جسده ثم مسح مسبحته ذات المائة حبة ,,,ثم خرج متوجهاإلى المسجد ...مستغفرا مسبحا ...
وما أن وصل إلى عتبة المسجد ....حتى شعر كأنه يخلع الدنيا مع نعليه على بابه ...توجه إلى منتصف المسجد ...ولكنه على غير العادة ...لم يصلى وإنما .....سجد فجأة و أغرق فى البكاء حتى ظن الناس أنه ارتكب جرما شنيعا فالتف الناس حوله واستنهضوه ....مالك يابنى ؟؟!!إنت عملت إيه ....قال : قتلت....قتلت ...قتلت مين يا بنى ..قتلت نفسى ...نظر الناس إلى بعضهم البعض متعجبين مما قال واستمر فى البكاء وسط دهشة الناس
ثم أقام المؤذن الصلاة ...فانقشع الناس من حوله ....ثم اصطفوا للصلاة ...وما أن انتهت الصلاة ...حتى أخذ يتمتم بالأذكار وخرج من المسجد فى خطوات بطيئة ولكنها ليست كالخطوات التى دخل بها ...إنها أقدامه ...تكاد تلتصق بأرض المسجد ..كأنه لا يريد أن يخرج منه وعندما غادر المسجد ...نظر إلى أعلى ثم تمتم بكلمات ....وذهب ليكمل نومه ....واستغرق فى النوم هذه المرة بدون أرق!!!