ــــــــــــــــــــــ
ثواني مرت كالدهر داخل السيارة الڤان بعد أن أصبحت الصديقات داخلها.
ظلام يسيطرعلى المكان ولا يُسمع شيء سوى أنفاسهن المتلاحقة وصوت إطارات السيارة وهي تقطع الطريق بسرعة قصوى.
حلم وهي تنادي فرح ورهف: هل أنتما بخير؟ رد الاثنان: نحن بخير لا تقلقي.
فرح: هل لاحظتما شيئًا؟
رهف: هل تقصدين أن السيارة هدأت من سرعتها؟
حلم : ويبدو أنها دخلت مكانًا مغلقًا، وما هي إلا ثواني حتى وقفت السيارة تمامًا وسمعوا صرير الباب وهو يفتح، وصوت يخبرهن بأن يترجلن من السيارة، بالفعل نزلت رهف أولًا تبعتها حلم وفرح، كان المكان يشبه ڤيلا من دورين تحيط به حديقة صغيرة وبوابات إلكترونية، كان عليهن تجاوزها قبل أن يجدن
أنفسهن بمكتب صغير به ثلاث مقاعد جلدية تبدو فاخرة، ومكتب بيضاوي من خلفه كرسي مدولب يجلس عليه رجل يدير لهن ظهره، مرت ثواني لم يقطعها سوى مغادرة الرجل الذي أوصلهن وصوت الباب وهو يغلق من خلفه محدثًا صوتًا مدويًا لم ينجح بإخفاء صوت دقات قلوبهن العالية، سمعن ذلك الرجل يقول وهو مازال يدير لهن ظهره تفضلن بالجلوس.
رهف بحدة: أين نحن ولماذا نحن هنا؟
استدار الرجل بهدوء موجهًا بصره وحديثه لحلم قائلًا: آنسة حلم تفضلي أنتِ ورفيقاتك بالجلوس سأطلب لكن عصير الليمون حتى تهدأ أعصابكن قليلًا، وأعتذرعن تلك الطريقة التي تم إحضاركن بها.
ثم استطرد قائلًا: ولكن كان هذا من أجل مصلحتكن وحرصًا على حياتكن.
كان شابًا في بداية العقد الرابع، وسيم الملامح قد خط الشيب فوديه قليلًا ليضفي عليه ذلك مزيجًا من الوسامة والمهابة، ويمتلك نظرة هادئة رغم حدتها.
رهف: من فضلك أين نحن؟ ولماذا نحن هنا؟ ومن أنتم وماذا تريدون منا؟
فُتح الباب فجأة ودخل الرجل يحمل ثلاثة أكواب من الليمون وضعهم أمامهن مغادرًا المكان بسرعة، نظرت فرح إلى حلم ورهف فوجدتهما تبادلانها النظرات، فما إن أخبرهن ذلك الرجل برغبته في احضار الليمون حتى حضر الليمون دون أن
يطلبه، وقد ازدادت دهشتهن أكثر عندما توجه ذلك الرجل بالحديث إلى حلم قائلًا: معذرة.. كنت أود أن أحضر لكِ فنجان القهوة السادة الذي تفضليه ولكني متأكد أنهم هنا لن يعدوه كما تعديه أنتِ بنفسك.
حلم: من فضلك.. لماذا نحن هنا؟ وماذا تريد منا؟
مال الرجل قليلًا إلى الوراء وقد بدت الجدية على ملامحه وهو يقول: أنتن هنا بمقر المخابرات المصرية وأنا الرائد أمجد مصطفى.
بدهشة بالغة تبادلت حلم وفرح ورهف النظرات وهن يرددن بنفس الوقت: المخابرات!.. وما شأننا نحن بالمخابرات؟ وهل نحن متهمات بشيء؟
الرائد أمجد: اشربن الآن الليمون وسأخبركن بكل شيء، حاولت كلٌ منهن الربط بين الأحداث ببعضها البعض دون جدوى، فما الرابط بين الكاتب والرسام وما حدث وما يحدث الآن؟
حلم : أرجوك أخبرنا بما يحدث؟
قالت هذا وهي تشعر بأن جسدها يتهاوى والعرق يغزو جبينها وانتفاضة قد بدت على كامل جسدها.
فرح: هل أنتِ بخير؟
الرائد أمجد: هل أحضر لكِ ماءً؟
رهف: هي مريضة ومازالت في فترة النقاهة وأعصابها مرهقة. الرائد أمجد: أعلم ذلك ولكنها ستكون بخير، والآن أخبروني
بصدق لماذا تتبعن أخبار الرسام أدهم مجدي؟
فرح: نحن لا نتتبع أخباره هو ولم نكن نعلم بوجوده قبل اليوم ولكننا كنا نجمع بعض المعلومات عن شقيقه الكاتب أحمد مجدي.
الرائد أمجد: لماذا؟ ولِمَ كنتن تراقبَن ﭬيلتهم؟
رهف: نحن لم نكن نراقبهم ولكننا أردنا أن نجمع أي معلومات قد تفيد فى فك شفرات ذلك اللغز الذي يصعب حله.
الرائد أمجد: هلا أخبرتموني بذلك اللغز منذ البداية وحتى الآن؟
روت له فرح كل ما مر عليهم منذ البداية وحتى وصولهن إلى مكتبه، كان يقاطع حديثها أحيانًا ليسأل حلم مستوضحًا بعض الأشياء والتي كانت تجيبه بصعوبة.
بدت عليه علامات الدهشة والتعجب وهو يستمع لحديثهن،
عم المكان صمت عميق لبعض الوقت قطعه الرائد أمجد قائلًا: رغم غرابة ما أسمع إلا أنه يبدو مُكملًا ومتماشيًا مع ما ستسمعوه مني الآن، ولكن أريدكن أن تعلمن أن ما ستسمعونه الآن لن يغادر جدران تلك الحجرة وهذا لسلامتكن أولًا ولسرية تلك المعلومات ثانيًا.
كان هذا كفيلًا لأن ينتبه الجميع له ولأن تتعلق أنظارهن بفمه وهو يكمل حديثه قائلًا: عندما سافر أدهم ليدرس فن الرسم في فرنسا التقى هناك بفتاة فرنسية اسمها رين، أحبها جدًا وهي أيضًا أحبته جدًا، وقد علمنا من مصادرنا أن الموساد الإسرائيلى حاول تجنيده ليعمل لصالحهم ولكنه رفض رفضًا قاطعًا، كانت
كل شكوكنا تحوم حول رين وأنها ربما تكون تحاول الضغط عليه ليقبل بذلك، ولكننا تأكدنا فيما بعد أنها أحبته بالفعل وقد تزوجا وأنجبا طفلة تبلغ الآن من العمر أربعة أعوام اسمها لين، للأسف عندما فشل الموساد في تجنيد أدهم حاولوا اغتياله في فرنسا، وقبل أن نتمكن من إعادته إلى مصر دبر الموساد محاولة اغتياله في ريف فرنسا، حيث كان يقضي عطلته هناك.. ونتج عن ذلك الحادث موت زوجته وإصابته هو وابنته، فقد أصيبت لين بكسور ورضوض وأصيب أدهم بنزيف في المخ نتج عنه فقدانه للذاكرة، وعندما أعدناه إلى مصر كان قد نسي كل شيء عن حياته السابقة وتنتابه من الحين إلى الآخر نوبات من الصراخ يردد خلالها اسم زوجته.
كان هذا كفيلًا لأن تتسارع دقات قلوبهن وتكاد تغادر صدورهن من غرابة ما سمعوه.
رهف: وما شأننا نحن بكل هذا؟
الرائد أمجد: كل ما حدث حتى الآن يبدو عاديًا جدًا مقارنة بما ستسمعونه.
قال تلك العبارة وتوقف لتتوقف معه قلوبهن وتغادر أعينهن محاجرها، أدرك الرائد أمجد أنهن أصبحن أسرى لكلماته فأردف قائلًا: ظننا أن الأمر قد انتهى إلى هنا بالنسبة لجهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد ولكننا علمنا بوصول أحد أبرز ضباطهم إلى مصر وأنه مازال يراقب أدهم وتحركاته، بل والأدهى من ذلك أنه يحاول الدخول إلى ﭬيلته.
رهف: ولكن لماذا؟ وماذا يريدون منه بعد كل ما فعلوه؟ فرح: ولماذا لم تقبضوا على الجاسوس ما دمتم تعلمون
بأمره؟
الرائد أمجد: نحن نضعه تحت أعيننا، ومازال حرًا طليقًا لنعرف ما هو الشيء الذي يسعون خلفه، فيبدو أنه شيء بالغ الأهمية للغاية.
حلم: أولم يستعد أدهم أي شيء من ذاكرته للآن؟
الرائد أمجد: بعد عودته من فرنسا فاقدًا لزوجته وفاقدًا لذاكرته كان شبه محطم، حتى ابنته لم يكن يستطيع التعامل معها، حاول شقيقه الكاتب أحمد مجدى إخراجه من تلك العزلة التي فرضها على نفسه فأخبره أن مرافقه سيجري عملية جراحية ويحتاج إلى الراحة، ورجاه أن يحل محله ويذهب معه ليكتب له بدلًا من مرافقه.. وقد كان، فقد نجحت خطته وأصبح يتردد معه على الكوفي شوب، في بادئ الأمر كان يبدو الأمر ثقيلًا على نفسه ويحاول التهرب منه واختلاق الأعذار لعدم الذهاب، ولكن فجأة تغير الأمر جذريًا وأصبح هو من يبادر بالذهاب إلى الكوفي شوب وإن أراد الأستاذ أحمد عدم الذهاب كان هو يلح عليه بالذهاب، وعلى غير عادته كان يتألق ويرتدي أفخر ثيابه مما أثار دهشة أخيه ومدبرة المنزل والسائق حتى العاملين بالكوفي شوب والذين لاحظوا ذلك التغيير الذي طرأ عليه.
أعقب كلامه بقوله: كان يبدوا وكأنه على موعد مع حبيبته.
هنا شعرت حلم بالخجل وتوردت وجنتاها بحمرة الخجل حياءً بعد أن شاهدت فرح ورهف يرمقانها وكأنهما قد أدركتا سر تغير أدهم، وهذا ما كانت تفكر به حلم فلقد أعادتها كلماته إلى تفاصيل الأحداث كاملة، نظراته لها.. ابتسامته العذبة.. كلماته والتي كان يخبرها فيها بأنه يحبها وكأنه يعرفها منذ أمد بعيد، تلك الوردة التى كان يلوح لها بها، قطع حبل أفكارها الرائد أمجد قائلًا: كان هذا حتى وقع الحادث الذي توفي فيه شقيقه ومات السائق ونجا هو بأعجوبة.
رهف وهي تتنهد تنهيدة طويلة: حسنًا.. ولكن رغم غرابة ومأساوية كل ذلك مازلنا إلى الآن نجهل لماذا نحن هنا؟ وأيضًا لماذا تخبرنا بكل هذا؟ بينما أنها ربما تكون معلومات سرية للغاية.
الرائد أمجد: سؤال غاية في الذكاء منكِ آنسة رهف والإجابة ببساطة أننا نريدكن داخل الڤيلا.
وقعت كلماته عليهم كالصاعقة بينما يرددن بنفس واحد:
نحن.. كيف؟ ولماذا؟ ووو..
الرائد أمجد: كيف؟ هذه تخصنا نحن، أما لماذا فمن أجل هذا.. أعقب ذلك بإخراج ملف كبير والتقط منه صورة أخذ يتأملها قليلًا قبل أن يديرها لهن ليرونها، وما إن وقعت أعينهن على الصورة حتى تبادلت فرح ورهف النظرات بدهشة بالغة وهما تشهقان بذهول قبل أن تقف حلم وتلتقط الصورة لتتأكد مما تراه، من ثَم يتهاوى جسدها بعنف لتقع فاقدة للوعي وسط ذهول الجميع.
يتبع









































