آخر الموثقات

  • في حضرة الميلاد.. ورفيقة الدرب
  • قلبٌ لا يُشبه القلوب
  • ق.ق.ج/ فراغٌ بلونِ الحب
  • ق.ق.ج/ نقشُ الغضبِ
  • من قاع الكنيف
  • عمة على رمة
  • كاليجولا والمستحيل
  • مؤذن على المعاش | قصة قصيرة. 
  • بكل حرف نزف من قلبي
  • عن ديوان "واحدة جديدة" لهبة موسى
  • أعتذر عن السهو 
  • الرب يحبني
  • الإبداع البليغى
  • نَجْمَةٌ لَا تُدْرَكُ 
  • شكر واجب
  • قصة قصيرة/ جسر الأيام
  • ق.ق.ج/ شعور
  • البعد والجوى
  • احلامي المعاقبة
  • بين اليأس والسكينة.. حديث العابرين على أطراف وطن
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة عبير عزاوي
  5. العائدون «قصة قصيرة» لـــ عبير عزاوى

«هل كان علينا أن نقطع كل هذا المدى لنعود؟.. يا إله السموات!».

 

تقول ندى بلثغتها المحبّبة لحرف السّين، أقلّدها فترمينى بشرر نظراتها. أضحك، فتهتزّ السيارة التي تقلّ أهلى وأهلها، تديم ندى النظر إليّ؛ أطير محلّقًا من فرط السعادة.

ندى رفيقة طفولتى منذ مجيئنا إلى المخيّم، وهى الآن شريكتى في الأسرار.

كان باب خيمتها مقابلًا لباب خيمتى، اعتادت أن تخرج لتشهد لحظة شروق الشّمس، لا أكاد أسمع جلبتها عندما تخرج، وتئنّ أصوات الحصى تحت قدميها؛ حتى أخرج كارجًا متعثرًا كل مرّة، ألعن الحصى الذي فرشوا به المساحات الفاصلة بين الخيام لكى يخفّ طين فيضان مياه الأمطار التي تغمر المخيم كل شتاء.

أهبّ من نومى، أقفز قفزتين، فأصير قربها، نركض معًا بسرعةٍ وخفّةٍ ولا نتوقّف حتى نصل إلى أعلى التّلّة وراء الخيام، نشبك أيدينا ونقف منتظرين تلك اللحظة بخشوع من يصلى.

الشعاع الذي يبدأ بغمر التلال البعيدة قبيل إشراقه يتقدّم باتجاهنا، يصل إلينا رقيقًا، يحملنا على أثيره كعهده منذ سنواتٍ ونحن نكاد نذوب في غمرته النديّة، أقول لندى:

‏- إنه يتعثّر بنا.

وبدلًا من أن أبوح لها بالسِّر أهمس:

- إنه يشبهك!

فتضحك وتقول:

- كيف يشبهنى؟!

- مثلك.. يلثغ بحرف السِّين.

تعبس وتقول بصوتٍ غاص في حلقها:

-أنا لا ألثغ. ذلك الحرف بغيض.

أخفّف عنها همّها فأقول:

-انظرى إلى ذلك الشّعاع هاهو ينساب عند مروره بالسّهل.. انتظرى حتى يقترب، وراقبى ما سأفعل.

ولكى أزيد تشويقها وأستمتع بإبهارها، أقرّب صوتى من أذنها وأهمس:

- حين يمرّ من فوقك، الفظى اسمى.

يرتسم الشعاع كقوس فوقها فتهمس:

- مثعود.

أبوح لها بالسر:

- أعدك أن نعود إلى الوطن، وسآخذك إلى بيتى.

تضحك ملء قلبها، وأنا أصير كتلةً من النّور تتقافز حولها.

وكعادتها في مثل ذلك الموقف تحاول أن تضربنى بأطراف أصابعها المنفرجة قليلًا، لكنها تمرّ من خلالى، فيمرق من بينها ضوءٌ خجول.

تعود ندى راكضةً إلى المخيم. أتبعها لكنها دومًا أسرع منى.

أصطدم بها. واقفةً تنظر بذهولٍ إلى الخيام التي أخذت تتهاوى والناس يلهثون وهم يطوونها ويجمعون أغراضهم ويحمّلونها فوق عربات الشّحن.

«لقد حان وقت العودة للوطن.» يقول جدّى بصوتٍ مخنوق بالبكاء.

شهقةٌ طويلةٌ تعلق في عينى ندى الواقفة بلا حراكٍ، وأنا أقف قبالتها أرقب ما يحدث. أخت ندى تسرع للملمة أغراضها ووضعها في كيسٍ بلاستيكى من أكياس طحين المعونة الفارغة. أختى تحاول تقليدها، لكنها لا تملك الكثير من الأغراض، لا ألعاب، ولا كتب، ولا دمى قماشية؛ تملك فقط دموعها التي لم تتوقف من بعدى.

قطّتى سالى تحوم بين الأقدام. ثم تقف مقابل ندى تنظر إليّ وفى عينيها فرحٌ غامض، ربما ترانى هي أيضًا.

وجدتُ سالى في الشّتاء الماضى، كانت تدور حول بركة الطّين أمام خيمتى، وهى تموء جائعةً.. حملتها ولففتها في كنزتى، أطعمتها حصّتى من طعام الفطور، صارت رفيقتى، ولا أدرى حينها كيف خطر لى أن أقطع لها وعدًا مثل الوعد الذي قطعته لندى بأننى سأعود بها إلى بيتنا في الوطن.

بيتنا الذي أعرفه جيدًا، رغم أننا خرجنا قبل تسع سنواتٍ وشهرين وثلاثة أيّام. كما تقول رزنامة جدى، وكان عمرى حينها يقلّ بشهرٍ واحدٍ عن سبع سنوات.

يكتمل تحميل السّيّارات، تنطلق في رتلٍ طويلٍ سريع. السّيّارة التي تقلّ أهلي وأهل ندى تنوء مثقلةً بحملها، تسترق ندى النّظر إليّ وتبتسم بخفرٍ، وهي تهمس بعبارتها مرّةً أخرى فأسمعها لوحدي:«هل كان علينا أن نقطع كل هذا.. لنعود؟» ينظرون إليها وهي معلّقة البصر في الهواء هم سّلموا منذ زمنٍ بعيدٍ أنّها فقدت عقلها لكنّهم لا يعرفون أنّها كانت تنظر إليّ- إليّ فقط- وتبتسم. أتأمّلها وهي مغمورةٌ بشذراتٍ من ضوئي فتبدو مثل سنبلةٍ مشرقة؛ سالي تتكوّم في حضنها، عيناها تبرقان، وإلى جانبها ترقد حمامتان بيضاوان، كنت قد حصلتُ عليهما منذ عامين مكافأةً على حمل أغراض فهد ابن عمّ ندى. وعربون امتنانٍ على ضرب ناجي وأنور أخويّ ندى اللذين يتنمّران عليه دائمًا؛ هو لا يقوى على الردّ عليهما فأتولّى أنا ذلك. كما أتولّى كتابة وظائفه التي يكلّفها به شخصٌ أحضره والده ليقوم بتعليمه. والده أي عمّ ندى هو كبير المخيّم. الجميع يعودون إليه في كل كبيرةٍ وصغيرةٍ وهو المسؤول عن التّواصل مع الجهات الرّاعية. لم أكن أعرف ما معنى هذا. عرفته فيما بعد لكثرة ما سمعته. كان عليّ أيضًا أن أتلقّى عن فهد الصّفعات والضّرّبات التي يكيلها له أخوا ندى؛ لكنهما عندما عرفا بسرّنا أنا وندى صارت الضّربات أكثر وأقوى؛ وصارا يترصّدانني في كلّ مكان. لماذا أفكّر بالأمر كثيرًا؟! كلّ ما يشغلني الآن هو أن نصل إلى بيتنا، أشعر بموجة حبورٍ لمجرّد تخّيل وصولنا فأهتف بفرح: «سالي، حمامتيّ، ندى.. يا أغلى ما لديّ.. سنعود اليوم إلى بيتنا»!.

وصلنا إلى طريق محاذٍ للشّاطئ. كانت مراكب كبيرةٌ تحمل الّلاجئين القادمين عبر البحر، المشهد يبدو مثل كرنفالٍ مبهرٍ زاخرٍ بألوانٍ وأضواءٍ برّاقةٍ تتصاعد في الأفق. العائدون الذين قدموا عبر البحر لا تبدو وجوههم شاحبةً مثل وجوه أهلنا أنا وندى، ولا يلوّث أجسادهم طين المخيّم مثلهم، يبدون هادئين رغم تحفّزهم الذي قد يفوق تحفّزنا جميعًا. أتشاغل عن الرّحلة بتذكّر شكل بيتنا ربّما كان مدوّرًا بحديقةٍ واسعةٍ ستلعب بها سالي أو ربّما فيه شجراتٌ يمكن أن تبني الحمامتان عشّهما فوقها.

أتوقّف عن محاولة التّذكّر لأني أتذكّر أيضًا أنّ الحرب أكلت الأشجار والبيوت والقطط والحمامات، كما أكلت أمي.

عند اقترابنا من خطٍّ أحمر ممتدٍّ على جانبي الطّريق حلّقتُ عاليًا لكي أرى طرفيه لكنني لم أر سوى أشخاصٍ يتحرّكون بسرعةٍ؛ يصنّفون السّيّارات ويغيّرون وجهة سيرها. عند آخر الخطّ، توقّف الرّتل ونزل راكبوه ومعهم ندى؛ السّيّارات ستذهب في اتّجاهٍ آخر، والعائدون عليهم أن يدخلوا أرض الوطن راجلين، لذلك سرعان ما اصطفّوا وأخذوا يمشون في قافلةٍ طويلةٍ جدًا يتقدّمهم جدّي، يتبعه والدي وهو يحمل على ظهره كيسًا فيه ضفائر أمي، ومفتاح بيتنا ولا أدري كيف قفز أمامي سؤالٌ شقيٌّ: «هل لا يزال باب بيتنا موجودًا؟» أطرد الفكرة الّلئيمة من رأسي وأقول في نفسي جازمًا:

«موجود... طبعا موجود.. سوف أجعل سالي وندى والحمامات يقفون أمامه، ويدخلون منه إلى البيت حيث تنتظرهم حياتنا السّابقة الهانئة». أحاول أن ألتصق بكتف والدي، صار طولي يتجاوزه بكثير. عندما خرجنا من بيتنا لأوّل مرةٍ كان طولي يصل إلى منتصف فخذه. أشعر برجفةٍ تسري في كياني أزداد التصاقًا بأبي، أصابعي تحاول أن تتشّبث بقميصه لكنّها لا تفلح. سالي تمشي وهي تتحكّك بساقه وتبادله الرّجفة، كلّ شيءٍ يرتجف. خلفنا تمامًا تمشي أختي ليلى ولحم يديها يتساقط نتفًا نتفًا لقد أصيبت بعضّة البرد في الشّتاء الماضي، وتيبّست أطرافها، وأخذ لحم يديها يهترئ ويسّاقط، لكنه وأمام دهشتنا؛ نما مرة أخرى في الرّبيع. في هذا الشّتاء عاد للتّساقط من جديد. على الّنباتات الشّوكية التي تسوّر الطّريق تتعلّق أطراف وأشلاء أولئك الذين مّزقتهم مدافع الحرب. كان من بينها قدما رامز الأخ الأكبر لندى وها هو يمشي على عكّازين. أما أمها فكانت تسير وراء الجميع لكي لا يرى أحدٌ دموعها، لكنّ نشيجها ونهج صدرها يتواتران مع وقع خطوات تلك القافلة من الحزن البشري التي تسعى لترتمي في حضن الوطن، بينما، مدافع للوطن تشهق قذائفها وتوشك أن تزفرها. ستقتل من هذه المرة؟! لا أعرف! لكني أتوجّس، رغم أنها لم تكن هي من قتلتني، بل تلك السّكاكين المسنونة في أيدي إخوة ندى.

 

 

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↑1الكاتبمدونة اشرف الكرم
3↑1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
4↓-2الكاتبمدونة محمد شحاتة
5↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↑1الكاتبمدونة ياسر سلمي
7↓-1الكاتبمدونة حاتم سلامة
8↑1الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
9↓-1الكاتبمدونة هند حمدي
10↓الكاتبمدونة آيه الغمري
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑55الكاتبمدونة هبة شعبان156
2↑24الكاتبمدونة عطا الله عبد136
3↑14الكاتبمدونة سحر أبو العلا48
4↑14الكاتبمدونة محمد التجاني123
5↑13الكاتبمدونة عزة الأمير157
6↑6الكاتبمدونة حسين درمشاكي35
7↑6الكاتبمدونة اسماعيل ابو زيد83
8↑6الكاتبمدونة عماد مصباح144
9↑6الكاتبمدونة رهام معلا167
10↑5الكاتبمدونة دعاء الشاهد53
11↑5الكاتبمدونة مريم خالد191
12↑5الكاتبمدونة هبة محمد245
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1090
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب697
4الكاتبمدونة ياسر سلمي662
5الكاتبمدونة اشرف الكرم582
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري507
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني430
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين418
10الكاتبمدونة شادي الربابعة404

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب339000
2الكاتبمدونة نهلة حمودة196256
3الكاتبمدونة ياسر سلمي185003
4الكاتبمدونة زينب حمدي170729
5الكاتبمدونة اشرف الكرم133752
6الكاتبمدونة مني امين117540
7الكاتبمدونة سمير حماد 109786
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي99703
9الكاتبمدونة مني العقدة96402
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين95744

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة منى كمال2025-07-30
2الكاتبمدونة نهاد كرارة2025-07-27
3الكاتبمدونة محمد بن زيد2025-07-25
4الكاتبمدونة ناهد بدوي2025-07-19
5الكاتبمدونة ثائر دالي2025-07-18
6الكاتبمدونة عطا الله عبد2025-07-02
7الكاتبمدونة نجلاء البحيري2025-07-01
8الكاتبمدونة رهام معلا2025-06-29
9الكاتبمدونة حسين درمشاكي2025-06-28
10الكاتبمدونة طه عبد الوهاب2025-06-27

المتواجدون حالياً

1634 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع