كنتُ أظنُّ أنّ النُبل يكمن في الصمت،
وأنّ كظم الغيظ حكمة،
وأنّ الرقة – وحدها – قادرة على إصلاح العطب بين القلوب.
كنتُ أظن…
حتى خذلتني الظنون،
واكتشفتُ أن بعض الصمتِ يُفسد المعاني،
وأنّ اللين حين يتعدّى موضعه، لا يُداوي، بل يُربك الموازين.
أدركت أن الطيبة حين تُفرط في العطاء،
تصبح عبئًا على نفسها،
وأنّ التضحية إذا لم تُصن بالعدل، تتحوّل إلى انتحارٍ ناعم.
لقد سامحتُ كثيرًا دون توضيح،
وتألمتُ بصوتٍ خفيض،
ومدّدتُ يدي حيث كان الواجب أن أضع حدّي.
لكنني لا أندم…
بل أتعلم.
أتعلم أنّ اللطف بلا بصيرة يُربك الفهم،
وأن كتم الانزعاج ليس دومًا دلالة رُقي،
وأن تزيين الانكسار لا يجعله جميلًا… بل يُطيل أمده.
فمن يحبني بحق،
سيفهم صوتي وإن نطقَ بصراحة،
وسيتّسع لي حتى حين أقول "كفى"،
وسيرى في وضوحي جمالًا لا يهدد السلام… بل يحميه.
أنا لا أتخلّى عن رقّتي،
لكنني أختارها بوعي.
لا أدفن غضبي، بل أُهذّبه.
ولا أتزيّن بالمجاملات، إن كانت على حساب روحي.
فهذا القلب الذي لطالما كان مأوى،
من حقه أن يُحاط بسور.
ومن حقه أن يُفهم، لا أن يُستغل.
أما آن للأرواح النقيّة أن تُنصف نفسها، قبل أن تُنقذ الآخرين؟