التغاضي النبيل... ليس غفلةَ عين،
بل بصيرةُ قلبٍ يُبصر كل شيء، ويختار ألا يُلوّث روحه بالرد.
هو أن تبلع الغصّة كما يبلع البحرُ مرارة نهرٍ مالح،
ثم يبتسم، ويحتضنه دون شكوى.
أن تمضي وأنت تعرف تمامًا من جرحك،
لكنّك تختار أن تكون شجرة... لا تُسقط ظلّها حتى عن الذي قطع أغصانها.
أن تمتلك الرد كالسيف في غمده،
لكنك تُفضّل السلام، لا لأنك أضعف،
بل لأنك أعمق من أن تُصبح مرآةً لما آذاك.
"إنّ الكِرام وإن تغيّر وِدّهُم
أخفوا القبيح وأظهروا الإحسانَ"
فالتغاضي لا يعني النسيان، بل يعني أن تحفظ الودّ القديم بقدر ما تستطيع،
وأن تذكر الجميل، وإن تخلّله جفاء...
"ولا تنسَ بعضَ الفضلِ لو ثمَّ عِلّةٌ
فمِن شِيَمِ الأشرافِ ذِكرُ الفضائلِ"
هو ترفّع الغيم عن الرد على من سبّه وهو يُمطر،
وصمتُ النهر وهو يحتضن الحجارة دون أن يشكو خشونتها.
في نهاية كل وجع… هناك لحظة نقف فيها أمام أنفسنا،
فنُدرك أن الانتصار الحقيقي ليس في الرد، بل في البقاء نقيًا…
أن نُغادر دون أن نُلوّث أرواحنا بالمرارة،
وأن نختار النُبل، ولو كان الثمن وجعًا لا يُرى.