أحيانًا نرى مشهدًا عابرًا، لكنه يهزّ فينا ما لم تهزّه كتبٌ أو محاضرات.
ما رأيتُه صدفةً على صفحات التواصل، كان كفيلًا بأن يهزّ أعماقي.
مشاهد لم أكن أتخيّل أن تُعرض على الملأ، لفتياتٍ قاصرات، أطفالٍ في عمر الزهر، يتخطَّين كل الحدود تحت مسمّى "العولمة" و"التحرر الفكري"، بلباسٍ لا يشبه الطفولة، ولا يليق بالبراءة؛ أقرب إلى العُري منه إلى الموضة، وسلوكٍ يُروَّج له كأنه قمّة التمدّن.
تساءلتُ: متى صار الانكشاف عنوانًا للجمال؟
متى صار التجرُّد من الحياء عنوانًا، وأصبح الاحتشام يُسخَر منه ويُنظَر إليه كرجعية؟
جميع الأديان السماوية الحقّة دعت إلى ستر الجسد، والحفاظ على الكرامة والخصوصية. فلماذا نراها اليوم تُهدَم تحت أعين الوالدَين أنفسهما؟!
المعضلة ليست فقط في مشهد فتاة ترقص وتتمايل على مواقع التواصل، بل في ابتسامة أم تُبارك، وضحكة أب تُصفّق، ورضاهما الواضح عمّا يجري.
وكأنهم يتباهون ويطالبون بتصفيقٍ حادّ، تحت عنوان: "لحمٌ رخيص"... لا بأس، في سبيل المشاهدات!
لقد نجح الغرب فعلًا، لا بمواجهةٍ عسكرية، بل بغزوٍ ناعم؛
حمل فكرة، وصورة، وأغنية،
استطاع أن يهدم المدرسة الأولى: المرأة.
فالمرأة ليست فردًا عابرًا في المجتمع، بل قلبه، ووعيه، وأساس بناء الأسرة.
وحين يُشوَّه الدور؛ تضيع الملامح،
فمن الطبيعي أن تَسترجل النساء، ويتخلى الرجال عن دورهم؛ تأنّثوا، وتنازلوا عن شرعيتهم.
فكان أمرًا طبيعيًا أن تذهب أخلاق النشء، فلا دين، ولا قدوة؛ فتضيع الأجيال في دوّامة من الفوضى.
ما كان يُفعل سرًّا، أصبح مستباحًا علنًا،
وما كان عيبًا، أصبح فخرًا،
وما كنا نستعيذ بالله منه، أصبح يُعرض كترفيه ومحتوى عصري!
وما يُحدثه ذلك في النفس، أعظم من كل مشهد:
تفكك أُسر، قطيعة رَحم، غدر إخوة، أكل حقوق، حروب نفسية داخل البيوت، خنوع رجال، وتمرد نساء...
حتى شهوات قوم لوط عادت، بل أصبحت تدق أبواب البيوت وتُعرض جِهارًا على الشاشات.
لم تَعُد محرَّمة في الخفاء، بل صارت تُطالِب بشرعية وترويج!
ف إلى أين نمضي ...؟
أحقًا نحن على أعتاب قيام الساعة؟
أم أن الله يُوقظ فينا بقايا الفطرة قبل فوات الأوان؟
يا رب،
ارحمنا حين نغفل، وحين نجهل، وحين نضعف.
اجعل لنا نورًا نهتدي به في زمن الضباب.
وألهمنا أن نبدأ التغيير، لا على نطاق العالم، بل من داخل بيوتنا، ومن قلوبنا.
ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا.