انتشرت في الآونةِ الأخيرة بين الناس إلا قليلًا, عادة سيئة بل ومسيئة يستسهلُها غالبية المتعاملين بالتقنيات الجديدة لتسجيلات الصوت عبر المحادثات الهاتفية, فنجد أن الكثيرين يقومون بتسجيل مقاطع الصوت التي تمت أثناء المحادثات الخاصة بين الناس, ويجتزئون منها مقاطع ويرسلونها للغير, وأحيانًا يركبونها تركيبًا غير حقيقيًا قبل الإرسال.
وهؤلاء يظنون أن هذه الفعلة شيئًا يسيرًا وبسيطًا, وأنهم بما يفعلون لن يُساءلوا يومًا ما, سواءًا أمام الله تعالى يوم القيامة, أو حتى أمام الناس حين يُفتضحُ أمرهم علنًا, وذلك سيحدث لا محالة,
حيث أن الفعل الخطأ قد يظل مستترًا لفترة لكنه لا يمكث كذلك فترات, وقد يتوارى لحظة لكنه لابد وأن ينجلي عبر لحظات.
هذه الفعلة, أقصد التسجيل الصوتي وارساله للغير ممن يعنيهم أو ممن لا يعنيهم, هي فعلة تصل إلى منزلة الموبقات, والتي منها المشي بين الناس بالنميمة, فتناقل الكلام بين الناس سواءًا مسجلًا أو غير ذلك, هو مشي بالنميمة بينهم, وهو أصل في قطع العلاقات وسوئها بينهم, ولم يكن النهي عن ذلك في الشرع وفي الأعراف الاجتماعية المحترمة إلا لعِظم الكوارث التي قد تحدث بين الناس بسبب ذلك,
وفي الحقيقة لم أمر بشيءٍ من سلبيات هذه الفعلة المَشينة, حتى استطيع أن أذكر منها مواقف, إلا أنني وقفت بنفسي على تلك الأحداث بين الناس, ووجدت كيف هو الأثر السلبي بل والكارثي عند من يسمعون تلك التسجيلات الصوتية التي لهم تُسيء أو عليهم تفترِي, وعندها تقوم قائمة السامع ويصب جام غضبه على الذي قال وليس على الذي نقل,
وهنا لابد من إلقاء الضوء أيضا على رد فعل السامع الذي تم نقل التسجيل الصوتي له, فهو من باب عدم الوعي وقلة الإدراك عنده, لا يلتفت غالبًا للناقل بقدر ما هو يركز في كيف يكيد للقائل المنقول عنه,
ولو تدبر السامع لتلك التسجيلات المنقولة, لوعى أن الذي نقل له هو المجرم, وهو الذي أساء وتعدى بشكل أكبر مما تعدى به القائل,
إذ قد يكون لسان حال القائل أنه لا يريد أن يُسمِع السامع, لكنه تكلم من باب الفضفضة أو من باب رثاء نفسه أمام الآخرين –رغم أني لا أُقِرُ ذلك- إلا أنه تحديدًا لا يريد وصول كلماته للمعني بها, وعلى ذلك يكون المتعدي هو الناقل.
ولعل نقل الكلام بين الناس كان موجودًا منذ قديم الأزل, وكان التدافع في المجتمع ضد ذلك كثير, ومن ذلك إطلاق الأمثلة الشعبية وغيرها كي يرتقوا في ذلك بالبعد بالناس عن نقل الكلام بينهم,
وقد كانت تجدي تلك الأمثلة الشعبية وغيرها في الحد من تلك الفِعلة قبل انطلاق طوفان سهولة تركيب تقنيات التسجيلات الصوتية للمكالمات الهاتفية وامكانية اقتصاص جزء منها وتركيبه وإرساله إلى الآخرين بشكل سريع ودون جهد,
وهنا تكمن خطورة الحال الذي فيه بعض الناس الآن ممن يفعلون ذلك, مما يتوجب معه تطبيق القوانين المعنية في ذلك تطبيقًا صارمًا, وأيضًا تضافر الجهود لإيضاح أن هذا الأمر يصل إلى الوقوع في النميمة بين الناس,
وأن الإرتقاء بالمجتمع وبالنفس يكون بالبعد عن الوقوع في مثل تلك الموبقات التي تودِي بالعلاقات الإنسانية بين الناس و تفكك المجتمع ولا ينتفع منها أحد.