هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

 arhery heros center logo v2

                    من منصة تاميكوم

آخر الموثقات

  • روح يا حمام لا تصدق أم هيام - هنا الفيوم - وادبحلك طير الحمام | 2024-05-14
  • نداء لمراعاة حق الثقافة العلمية المهدور | 2024-05-14
  • العشق صانع الأضداد في حياة أبي العتاهية | 2007-02-05
  • الشهر العالمي للتعربف بارتفاع ضغط الدم | 2024-05-14
  • مات ومسمعهاش | 2024-05-14
  • معارك الروح و الجسد | 2024-04-25
  • الباب الموارب | 2024-05-02
  • تحت ظلال الزيتون | 2024-05-04
  • ناسا تكتشف كوكب جديد | 2024-05-14
  • وسلامٌ على الباقيين | 2024-05-04
  • أكثر ما يريح قلبي | 2024-05-12
  • ابنتى لا تقرأ كتبى | 2024-03-03
  • لماذا هرب الشباب إلى الشات؟ | 2024-03-13
  • عربات القهوة فى شوارع القاهرة | 2023-01-20
  • أخلاقنا الجميلة …… خطوة جاءت فى موعدها | 2022-10-11
  • الحياة ليست مكتب تنسيق | 2022-08-25
  • ماذا حدث لقلوب المصريين؟ | 2022-07-29
  • كُلْ عيش | 2022-06-24
  • بناء الإنسان لبناء الأوطان | 2022-07-08
  • فاتها قطار الزواج | 2024-03-21
  1. الرئيسية
  2. مدونة جهاد غازي
  3. الضفة الحمراء من الليل

نعم أنا مرح المرأة الأربعينية ذات القلب الذي ما زال فتيا، ما زلت أملك مسحة من جمالي الذاوي، أمضي حياتي وحيدة بين جدران أربعة ببرودة الثلج تكتم أنفاسي، لا أحدث أحدا لأن لا أحد يتجرأ على الاقتراب مني بعدما حدث.

عندما أعود بذاكرتي للخلف أرى كم كنت فتاة سطحية ومستهترة.

عندما ولدت وكما أخبرتني جدتي كنت أجمل من رأته عيناها وليس لأنني حفيدتها، جدتي كانت سيدة في أواخر الستين عندما ولدت، وكانت موجودة مع أمي وهي أول من رآني، قالت: كانت خصلات شعرك الشقراء تنير كما أشعة الشمس الذهبية، زرقاء العينين بلون البحر، بيضاء كبياض الثلج، برموش كثيفة وحاجبان بالكاد يظهران، وكم كنت صغيرة كدمية خزفية.

ربتني جدتي بحكم عمل أمي، التي كانت تقضي جلّ وقتها في الدوام، وأنا مع جدتي تدللني وتستمر بدح جمالي الباهر، والأسوأ ليس فقط جدتي لأمي؛ بل جميع من في العائلتين عندما كان يراني كان ينبهر بجمالي، كل هذا أدى إلى نشوئي كفتاة مغرورة بنفسها، ترى جميع الناس دونها جمالا.

أذكر أنني عندما كنت أرافق جدتي إلى أحد الأعراس، كانت مصورة الزفاف تترك العروس وتتبعني حيث أذهب لالتقاط صور لي، وعندما ارقص كان الجميع يفغر فاهه دهشة من جمال تكويني ومن دقة حركتي وروعة تمايلي مع الأنغام... أيام.. وذهبت إلى حال سبيلها، يا لها من ذكريات!، ليتني لم أكن جميلة لهذا الحد، ليتني لم أكن مغرورة لهذه الدرجة، ربما لما حدث ما حدث.

ما زلت أذكر ذلك اليوم المشؤوم بكل تفاصيله وأذكر جميع ما حل بي تباعاً بعده، وكأنني أعيشه كل يوم من جديد، كنت عائدة من خطبة صديقتي والتي حزنت لوجودي في الخطبة أكثر من فرحها بمجيئي، لأنني كما قالت، أنا سعيدة أنك حضرتك ولكنني كنت أتمنى لو لم تحضري، لقد غطيت عليّ بجمالك، ربما تظنون أن قولها ذلك سيثير داخلي الحزن، ولكنني لم أكن فتاة مراعية لمشاعر الآخرين، ورغم ذلك حاولت مراعاة مشاعرها وارتديت ما لا يلفت النظر ولكن كما يقولون( القالب غالب) ذلك يحدث دون جهد مني، ويشعرني بلذة غريبة، لقد كانت كمن يمدحني لا من يذمني.

عدت إلى غرفتي وما زلت أشعر بنشوة عارمة من أثر نظرات الناس، وقفت أمام مرآتي أنظر بغنج ودلال إلى نفسي وأنا أهمس لها: يا لك من فاتنة! غمزت لنفسي بعيني وأرسلت لنفسي قبلة، شغلت الأغاني في جهازي المحمول وذهبت إلى الحمام وأنا أدندن معه لأزيل عني بقايا الحفل،

فتحت المياه الساخنة لأقصى درجة حتى ملأ البخار الحمام، خلعت ثيابي ووقفت أمام مرآتي التي اشترطت على أهلي أن تكون بطول الحائط وعرضه، وما زلت أتأمل نفسي وإذا بي أرى خيالا في المرآة يكتب لي وسط البخار: ما أجملك!.

تراجعت للخلف فزعة، ونظرت مرّة أخرى ولكن لم يكن على المرآة شيء، فظننت أنني توهمت ذلك، أكملت استحمامي على عجل وخرجت.

في الليل؛ ولأول مرّة أصحو فزعة، فقد حلمت بشيء غريب، رأيت ما يشبه القزم بعينين كبيرتين مخيفتين يرتدي ألوانا نارية فاقعة، وله أنف يشبه الخنزير ويقف في مكان مهدم ينظر لي نظرة مرعبة، صحوت وأنا أتصبب عرقا، وأصبحت حادثة المرآة تتكرر معي كل مرّة أستحم فيها كنت أجد عبارات تتغزل بي، يا لجمال عيونك، ما أبدع خلقك، أعشق تكوينك... إلخ.

وكلما نظرت إلى المرآة أرى شخصا غيري ينظر إلي، وإذا ركزت النظر في عيوني أرى عينا القزم تطل عليّ، وفي أحد الأيام جاءت والدتي لتوقظني، صحوت على صوت صراخها وهي تهزني بعنف والفزع يظهر جليا على وجهها وتقول: ماذا حدث لوجهك؟ رأيتها تلطم على وجهها فذهبت فورا إلى المرآة وعرفت ما أفزعها، على وجهي رسمت آثار أصابع وكأنها تخمش وجهي.

أصبحت انطوائية أحب البقاء لوحدي، بعد أن كنت لا أستطيع البقاء وحيدة لخمس دقائق، أعشق النوم ودائماً أشعر بأنفاس حارة تلفح وجهي مع أنني لا أرى أحدا.

غالبا ما كنت أعرف ماذا سيحدث معي في الأيام القادمة، فقد كنت أحلم بكل شيء وبكل شخص سأقابله حتى لو لم أقابله في حياتي سابقا قط، دائما أستيقظ على صوت يدعوني باسمي ولا أعرف من يناديني، أشعر برغبة متأججة بداخلي للجنس مع أنني سابقا لم أكن أهتم بهذا الشيء، وأكثر ما كان يضايقني ويشعرني أن رأسي سينفجر حينها هو سماع القرآن الكريم خاصة آية الكرسي.

أخذت الأشياء التي تحدث معي تزداد غرابة أكثر فأكثر، ما دفعني للبحث عن الموضوع على الانترنت وتوصلت إلى أنني ربما أكون مصابة بمس شيطاني.

في إحدى الليالي تجرأت وتحادثت مع شيخ يدعي المعرفة بالماورائيات، طلب رؤية وجهي ففتحت الكاميرا وأنا خائفة ولكن خوفي مما يحدث معي كان أكبر من خوفي من وقوعي في مشكلة بسبب مكالمة فيديو مع شخص لا أعرفه، وحالما رأى وجهي جفل خوفا حتى كاد يسقط عن كرسيه، قال بصوت متلعثم بعدها؛ أن جنا عاشقا يتلبسنِ، ويجعل الذكور يعجبون بي في البداية، ثم يتحول إعجابهم إلى رعب، إذ أنهم يرونني بشكل يشبهه هو ولا يشبهني، وطلب مبلغا كبيرا من المال ليخلصني منه، حينها عرفت أنني أتحدث إلى دجال، وتركت الأمر لله ليخلصني منه.

كبرت وأنهيت الثانوية العامة بمعدل فاق توقعات الجميع، مساءً ذهبت إلى صالون التجميل استعدادا لحفل نجاحي، وهناك اضطررت لخلع ثيابي لارتداء الفستان فجأة صاحت صاحبة الصالون برعب: ما هذا!؟

لقد رأت ما أخفيته عن عائلتي منذ فترة طويلة، آثار أصابع على أنحاء متفرقة من جسدي، قالت لي: أن هذا أصاب ابنتها سابقا، وأن أحد الشيوخ أخبرها أن تستحم بماء مقروء عليه لمدة أربعين يوما في غرفتها، وترش هذا الماء خارج البيت في مكان طاهر، وسيذهب عنها.

فقلت في نفسي؛ لن أخسر شيئا سأجرب علني أرتاح منه، ولكن للأسف لم تفدني التجربة بشيء.

بدأت حياة جديدة في السكن الجامعي، طمئنت نفسي بأنه ربما سيتركني لحالي سبيلي بعد أن ابتعدت عن منزلي ولكن هيهات...

(لمى) كانت زميلتي ورفيقتي في غربتي، سكنّا سويا في نفس الغرفة وأصبحنا متلازمتين دائماً، أحبها كأختي وربما أكثر، في إحدى المرات التي عادت فيها إلى السكن بعد زيارة أهلها كانت متعبة بشكل غريب، ألحيت عليها بالسؤال لتخبرني ما بها، قالت: لن تصدقيني حتى لو أخبرتك.

- قلت لها: جربيني.

- قالت: أنا أرى وجودا غريبا يلاحقني دائما، أسود اللون وكأنه ظل أحد ما، أراه خلف من يحادثني، يظهر ويختفي، وعندما أخبرت عائلتي لم يصدقني أحد، بل سخروا مني، أما تلك الأحلام للغريبة التي تطاردني حتى لم يعد بإمكاني النوم فحدثي ولا حرج.

- هل يمكنك إخباري بتفاصيل أكثر عن هذه الأحلام.

- أرى قزما بشع الوجه بأنف كالخنزير وشعر أشعث ينظر نحوي بعينين تشتعلان غضبا، بل أشعر بلهيب يشع منهما يكاد يحرقني، بل يحرقني فعلا وعندما أصحو أجد آثار حروق على جسدي.

تذكرت أنني حلمت بنفس الحلم سابقا، فسألتها عن اليوم تحديداً، وعلى ما يبدو أننا نحلم بنفس الحلم عندما ننام سوية في نفس الغرفة.

يبدو أنه لن يتركني أحيا بسلام، لا بد أنه يغار عليّ حتى من صديقاتي، كان لا بد لي أن ابتعد عن لمى حتى لا يؤذيها،

لم يتوقف عند هذا الحد بل أصبح يضايقني بطرق شتى، أحيانا يمزق الكتب حيث أعمل في مكتبة الجامعة، حيث اتخذت من الوظيفة طريقة للبحث عن الموضوع أكثر، بما أن قسم السحر والشعوذة ممنوع دخوله سوى للعاملين في المكتبة والمعيدين، ودائما كنت أجد ذات الكتاب مفتوحا على نفس الصفحة عند دخولي القسم، وكأنه يريد أن يخبرني شيئاً ما، كانت هذه الصفحة تتحدث عن الجن العاشق.

قرأت الكثير من الكتب، وحاولت التواصل مع عدد من الشيوخ والمشعوذين علّني أجد حلا لما يصيبني، ولكنهم جميعهم طلبوا مبالغ كبيرة من المال وهذا ما لا أستطيع توفيره، فما زلت طالبة وعملي في المكتبة هو عمل تطوعي لا أكثر.

في مرّة من المرات دخلت قسم الشعوذة ووجدت معظم الكتب ممزقة، وطبعا بما أنني الوحيدة تقريبا التي ترتاد القسم بانتظام اتهموني بذلك، دافعت عن نفسي كثيرا وبما أنه لا يوجد أي تفسير لمن قام بذلك حيث أن الكاميرات تعطلت في ذلك اليوم لسبب غير معروف، تم طردي من المكتبة، وانتهت رحلتي في البحث عن حل.

استمرت معاناتي معه وما زلت أبعد الجميع، أو بالأحرى هو من يبعدهم، وأي شخص يحاول الاقتراب مني يقوم بإيذائه بطريقة ما.

استمرت هذه الأحداث لفترة طويلة حتى جاء ذلك اليوم الذي كنت فيه في الجامعة كالعادة، وبعد آخر محاضرة رأيته (يمان) ذلك الشاب الأنيق الوسيم، وعلى ما يبدو كان يراقبني من فترة، وما أن الاقت عينانا حتى توقف العالم فجأة عن الدوران ووجدته يقترب مني بخطوات مسلوبة الإرادة وكأن هناك خيوطا لا مرئية تجذبه نحوي، وقف أمامي وبصوت رخيم طلب مني أن نجلس سوية ونشرب كوبا من الشاي الأخضر.

لا أعرف كيف عرف أنني أحبه، جلسنا سوية وتحدثنا، وكم أعجبني حديثه واتفقنا أن نتقابل في اليوم التالي، عندما عدت إلى السكن ودقات قلبي لا تزال تتراقص على وقع نبرات صوت يمان، رغم أننا لم نتحدث سوى في مواضيع عامة، ولكن لقلبي رأي آخر على ما يبدو، فتحت باب غرفتي وما أن دلفتها حتى وجدت حروفا دامية ترتسم على مرآتي، وصوت صرير أظافر يصم الآذان جعلني أرفع يدي لأغطي أذني، بضع كلمات فقط ولكن الوقت الذي كتبت به جعل أعصابي تنهار، كانت الكلمات تقول: ابتعدي عنه وإلا...

لا أنكر خفت قليلا ولكنني لم ألق بالا للتهديد، فقد اعتدت أفاعيل ذلك القزم المقيت، ولكنني أشعر بالندم الآن، ليتني أبعدته.

استمرت مقابلاتنا وتكررت مواعيدنا، وأصبحنا نتحدث دائما بجميع الوسائل، وازدادت التهديدات عنفا، إذا لم تبتعدي عنه سوف أؤذيه، أصبحت أسمع صراخا وأنا نائمة، صرخات مرعبة تخبرني أن ابتعدي عنه، ولكن ليس بيدي حيلة، كنت أعشقه ولا أستطيع الابتعاد عنه.

فجأة بدأ يمان بالابتعاد عني، ودائما يخلق مشاكل من لا شيء، أما أنا فقد كنت دائما أشعر أن هناك من ينام بجانبي ليلا، ويحاول الاعتداء عليّ، ودائما استيقاظي يجعله يتوقف، مع أنني لا أرى أحدا ولكنني كنت اشم روائح عطرية في غرفتي، مع أنني لا أستخدم العطور لأنني أعاني حساسية منها، أصبحت الاعتداءات ليلا أكثر، دائما استيقظ متألمة وهناك علامات على يديّ وساقيّ كأن أحد ما كان يحاول تثبيتي، دائما أشعر بحضور غريب كالهواء الثقيل يحيط بي.

فقدت عيناي حيويتهما وأصبحتا محاطتان بهالات سوداء، متعبة على الدوام لا أقوى على الدراسة وتزداد حالتي سوءا كل مرّة نتقابل فيها.

أصر يمان على معرفة حقيقة ما يحدث لي، وبعد مناقشات حادة وخوفي أن أخسره قررت إخباره بما أعانيه، قرر حينها أن يسأل شيخا عن الموضوع، ذهبنا سوية إلى الشيخ عبدالله وضع يده على رأسي وبدء يتلو آية الكرسي وبدء جسدي ينتفض، وكلما قرأ أكثر كنت أصرخ ألما، وفجأة سمعنا صوتا مخيفا يتحدث بلساني ولكنه ليس صوتي صارخ بالشيخ: توقف.. توقف وإلا سأحرقها.

توقف الشيخ وجاءت الحقيقة المؤلمة المفزعة لتؤكد ما شككت به سابقا، أنه جن عاشق لا سبيل لطرده سوى بالقرآن، وأن عليّ ارتداء حجاب صنعه خصيصا لي دائما، لكي أمنعه من الاقتراب مني

لم يتخل يمان عني بل على العكس زاد تعلقه به وأصبحت لقاءاتنا أكثر مما مضى وما بيننا بات كبيرا جميلا بحجم السماء.

في أحد الأيام طلب مني أن نلتقي في كافتيريا الجامعة ذهبت إليه وشوقي يسبقني ط، وجدت طريق الكافتيريا مغطى ببتلات الورد وهو في آخر الممر ينتظرني مرتديا حلة سوداء رائعة الجمال، ربما لأنه يرتديها، وحينما وصلت كانت سماعات الكافتيريا تضج بصوته وهو يلقي قصيدة شعرية تقول:

جئتك.. والقلبُ يلهثُ غربةً

خفتك.. فالذّنبُ أهلك حيلتي

وجهك.. ما دُمتُ حيا مقصدِي

مهما يدَيك أبعدَتني يا وردتي

النظر في عينٍ نهواها حياة

كوطنٍ يمدّ يداه لوِحدَتي

ألقي بكلي نحوَه بثبات

يردّني إلى يديك..

وجهتي.. لاَ تبعدي ناظريك واقرئي

نصفُ الحكاية ترويها قبلتي

أهواك مرآتي وظلّ يحتمي

بجسدٍ تراقُ لأجله مهجتي

أنتِ أنا.. إذا بكيتِ تبللت لحيتي

تعثر دمعٌ بـخدك فتورّمت وجنتي

تسلل حزنٌ لـعينك أوقدَ ليلتي

قنديلاً من الهوى يبدّد حيرَتي

ماذا لو تعانقنا؟

وصارَ أصيصا يدي

وكنتِ فيّ زهرتي

أو صوتا يقبل نبرَتي

أناديك ولاَ تأتِ

فـأنتِ هاهنا معي

يبوح بك صمتي

ينفردُ بهواك شعري

من أوّل القصيدِ

إلى آخر البيتِ

أخبريني ما الحبّ؟!

إن لم يكنْ معصمك وطن

تفكّ قيوده لهفتي

وفي خلاَيا الرّوح

تستبيحُ سكرَتي

حتى إذا ما غبتِ عني

وقعتِ تحت سطوة ضحكتي

ثمّ تساءلتِ بوجهٍ عبوس

ءأبرح حتى ألقاك؟!

فـيردّ وجهي المرتاب

كيفَ ألقاك وأنتِ فيّ بسمتي

هكذا كنا وكنا أنتِ أنا

وكنتِ في عيني ماء مقلتي

فليسَ لي سواك يتربص

وَهن وِحشتي

تؤنسني أفكارِي تستحضرك

فتلتفّ شفتاك بشفتي

أسلمتُ بها وإيماني

أنك في شدّتي عدّتي

مهما أغدقتني الذّنوب

لقاءك يعادلُ توبتي

ثم إذا به يركع أمامي ويرفع إليّ علبة مخملية حمراء قائلاً: لا تخذليني أرجوك اقبلي بي حبيبا لك مدى العمر.

لم أستطع النطق من فرحتي اومأت له أن نعم موافقة، ودموع الفرح تنهمر من عينيّ، نهض واحتضنني بين ذراعيه وما أجمله من حضن ليت الزمن توقف هناك ونسينا.

أنهيت الكلية بسلام وما زلت أرتدي التميمة التي منحني إياها الشيخ عبدالله، وما زال حبيبي يقف بجانبي ويهون عليّ ما يحدث، أصبحت المشاكل أقل بكثير بعد زيارتي للشيخ.

وبما أنني كنت الأولى على دفعتي -في تخصص علوم مالية ومصرفية- جاءني فور تخرجي عددا من عروض التوظيف، وبعد تفكير عميق قررت العمل في البنك الإسلامي وهناك بدأت المشاكل من جديد، كالعادة السبب هو شاب يعمل هناك (محمد) شاب مرح يمزح مع الجميع ويعرف كيف يضحكني مهما كنت حزينة، في أحد الأيام ذهبت إلى العمل بعد ليلة مرهقة، إذا أنه لم يتركني لأنام، ليلتها شعرت به بجانبي وخفت أن أنام، جاء محمد وبدء بتقليد دونالد دك، أحضر المكبس ووضعه على فمه كالمنقار وهو يقلد صوت البطة، وتحولت كآبتي فورا إلى ضحكات، وفجأة لا أعرف ما الذي حدث وإذا به يصرخ والمكبس يغلق على شفتيه مفرغا دبابيسه في جلده، دماؤه ملأت المكتب، ونقل على الفور إلى المشفى ومن البديهي أنه لم يعد إلى المكتب ثانية.

كلما شاركني أحد المكتب وبدأت العلاقة تتحول من زمالة إلى صداقة حدثت له مصيبة تجبرهم على نقله، فواتير مختفية، لخبطة حسابات، أوراق مفقودة... وهكذا حتى لم يعد أحد يرغب بمشاركتي المكتب، ظنا منهم أنني أنا من أقوم بافتعال المشاكل لزملائي، هذا دفعني لإثبات نفسي أكثر، بذلت قصارى جهدي لتطوير عملي في البنك، ونجحت الحمد لله حتى جاءني المدير بنفسه وقدم لي ترقية لأكون ذراعه اليمنى، وهذا يتطلب أن أكون معه في جميع رحلات العمل.

أصبحت علاقتنا أنا ومديري أقرب طبعا، هو لم يستطع مقاومة جمالي الصارخ، وأنا كنت أبعده دائما، أولا لمصلحته، ثانية أنا مخطوبة وأعشق خطيبي.

استمر مديري بمضايقتي وحاول أكثر مرّة الإيقاع بيني وبين يمان، ولكنني لم أستجب له، فكانت الضربة القاضية هذه المرّة تهمة منه باختلاس مبلغ كبير من المال، وطبعا الخيار كان إما أن أستجيب له أو أترك العمل، وكانت هذه نهاية وظيفتي.

ولم أكد أترك العمل حتى سمعت أنه تم قتله بإلقائه من فوق سطح البنك، بعد أن تم تعذيبه بوحشية، ولم يعرف الجاني ولكنني كنت أعرف.. لا بد أنه هو (عاشقي)

منذ سمعت بوفاته وأنا أشعر بقلق شديد على يمان، قررت إمضاء ليلتي في المسجد أدعو الله ليحميه ويريحني مما أنا فيه، لا تعرفون كم السعادة والراحة التي شعرت بها وأنا أشكو لله، وانتظار الصلاة وسماع صوت المؤذن فرحة أخرى.

في طريق عودتي للبيت صباحا لا أدري ماذا حصل لي، وقعت في الشارع، شعرت كأن أحدهم صفعني على وجهي ودارت بي الدنيا، الحمد لله أرسل لي الله شابا رفعني عن الأرض وأعطاني شربة ماء، ولم أدر كيف عدت إلى المنزل، عندما وصلت نظرت إلى المرآة رأيت عيني حمراء كالدم، تقدح شررا وآثار أصابع نارية على وجهي.

دخلت إلى الحمام لاستحم، وكالعادة وجدت على المرآة تحذيرا جديدا: لآخر مرّة أحذرك اتركيه وإلا...

أخبرت يمان بما حدث، وقررنا أن نسرّع موعد الزواج علّه يتركنا وشأننا، فبدأنا التحضيرات وكم تعرضنا لعمليات تخريب، أحيانا تضيع المشتريات منا، وأحيانا نصل للمنزل لنجدها تالفة ولكن رغم كل الصعوبات انتهينا منها أخيرا.

جاء اليوم الموعود؛ يوم زواجي أنا وحبيبي، وما زلت أرتدي الحجاب الذي أعطانيه الشيخ، كان يوم زفافنا من أروع الأيام، رقصنا على أجمل الألحان، وكانت نظراته تشي بهيامه بي، رأيت نظرات الحسد في عيون الجميع، كنا نطير فوق السحاب، طرنا إلى عشنا سوية بعد نهاية الحفل، وكم كانت ليلتنا جميلة، شعرت ليلتها بمدى حبه لي، كم استمتعنا معا.

في الصباح ذهبنا لقضاء شهر العسل في فينيسيا وكانت من أجمل أيام عمري، ركبنا القوارب، التقطنا الكثير من الصور لحفظ ذكرياتنا.

عندما عدنا بدأت الحوادث الغريبة من جديد، أخبرني يمان أنه يراني أحيانا بجانبه مع أنني في العمل في ذلك الوقت، كان يرى ساقا مقطوعة تجوب المنزل وهي تقطر دماء.

في أحد الأيام دعانا صديق يمان لحفل تقيمه شركتهم احتفالا بمشروعهم الجديد، وفاجأونا بترقية يمان وجعله مديراً للمشروع، الموسيقى كانت صاخبة للغاية وكنا نرقص بجنون من فرحتنا بدأنا بالتقاط الصور معا كعادتنا، وأثناء غفلتنا ببعضنا لا أعرف كيف قطع الحجاب ووقع أرضا، فجأة هبّت عاصفة هوجاء داخل القاعة وحطمت كل شيء وحطمتني معها، خاف الناس وهربوا جميعاً، آخر ما أتذكره هو سقوط الحجاب أرضا، في الصباح استيقظت وليتني ما استيقظت، وجدتنا في منزلنا ويمان سابحا في دمه، أشلائه منثورة في الغرفة، ولا أثر لأحد غيري، صرخت وصرخت حتى فقدت وعيي، صحوت وأنا في المشفى بعد إصابتي بانهيار عصبي حاد، بعد استيقاظي من المهدئات فتحت هاتفي لأرى آخر ذكرياتنا سوية ولكنني هلعت رعبا لهول ما رأيت، كان الهاتف يصور فلم فيديو طوال الليلة المشؤومة.

كنت أنا من قتله بيديّ هاتين ولكن كيف؟

عرضت الفلم على الشيخ عندما استطعت زيارته، أخبرني أن الجن العاشق لا يترك أحدا يقترب من محبوبته، وإن اقترب أحدهم انتقم بطريقته، ليلة الحادث تلبسني وقام بتعذيب يمان، ضربه ضربا مبرحا بعدها أحضر سكينا وبدء بصنع خطوطٍ على طول جلده، وهو يصرخ متألما: مرح أرجوك توقفي لا تفعلي هذا، أنا أحبك. وكلما قال أحبك ازدادت وحشية التعذيب، حينا يقلع أظافره وحينا يخلع أسنانه والأصعب من هذا كله قام (قمت أنا) بقطع يديه عقابا على لمسه لي، وكلما زاد صراخ يمان كنا نسمع صوت ضحكات مخيفة تهز المكان، ولم يتركه حتى جعله أشلاء، بعدها سقطت مغشيا عليّ وأنا غارقة بدماء حبيبي.

بعد إجراء التحقيقات، جميع الأدلة كانت تشير إلى أنني القاتلة، ومع أنني مسحت الفيديو إلا أن الشرطة قامت باسترجاعه، أما الشيخ عبدالله فقد قتل بطريقة غريبة، وجد ميتاً في الحمام وتقرير التشريح أفاد أنه أصيب بجلطة قلبية من شدة الرعب، وهكذا لم يتبق أي شاهد على براءتي، حكم عليّ بالإعدام، قاموا بعدة محاولات للإعدام بطرق مختلفة، وفي كل مرّة كنت أنجو والجلاد يسقط ميتا، فقرروا سجني للأبد والآن أنا في السجن، في زنزانتي وحدي، لأن لا أحد يجرؤ على النوم معي في نفس المكان.

وما زال كل ليلة يأتي لأجلي، ولم تعد لدي القدرة على مقاومته، لقد استسلمت له فلم يعد هناك ما أقاوم لأجله، يا ترى متى ستنتهي حياتي وأرتاح.

------

* القصيدة بقلم أحمد عبد العزيز

 

 

 

 

 

 

التعليقات علي الموضوع
2 تعليق
المتواجدون حالياً

2302 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع