فتحت الباب فهبت رائحة الزمن ..خطت في الظلام خطوات ..كل شيء في البيت القديم يعلوه التراب .. ذكرياتها في كل ركن هنا يعلوها التراب أيضا .. أطنان من التراب تغطي كل شيء كما يغمر الليل الكون بالظلام .. كم شهد هذا البيت من أيامها المضيئة .. كم شهد من ايامها المؤلمة ..حتى لكأن هذا البيت قد أقيم من أركان ضلوعها.
مصباح الفلورسنت يرتعش كفؤادها المرتعش من فرط الألم .. قطرات ماء ضئيلة تتساقط من الصنبور ..كذلك دموعها تجود بها الأعين الشحيحة .. هبت رياح الذكرى عليها فتساءلت : ماذا شهد هذا البيت من أحلامي الموءودة منها والمتحققة ..قالت لنفسها وهي تتذكرهم وقد طواهم الغيب .. هنا وهنا وهنا ..
عادت لحقيبة الذكريات فسقطت منها صورته وقالت لنفسها متى أتجاوز ألمي لرحيله ؟ ؟ وهل سيأتي ذلك اليوم ابدا ؟؟!!
ماذا سُرق منها هنا ؟ حاولت أن تتوقف عن العد إلا أنها لم تستطع .. العمر والأحلام والأشياء والأحبة والأمان والكبرياء وأيضا الثقة والقلب الأخضر
جلست على مقعدها المفضل تجاه النافذة المتربة .. مررت يدها على الأثاث ..بجوار المقعد آخر كتاب كانت تقرؤه .. مازال ممددا على الطاولة كجثث الموتى .. يطويه غلاف أبيض كالكفن والتراب حوله كتراب القبور .. على الطاولة قلمها المفضل وتذكرت يوم أهدي إليها .. ابتسمت لأنهم يعرفون شغفها بالأقلام الجميلة .. هذا القلم كتبت به خواطرها المشعثة ..مررت يدها على حقيبة الذكريات .. دست يدها في زمرة الأحلام التي تنتظر الميلاد .. حلم منها صار جنينا يوشك أن يولد .. وذاك الحلم البعيد الذي صار عسيرا هل آن له أن يولد فيكبر ليصير مظلة نحتمي بها من أمطار الأيام .
حملت حقيبتها المنتفخة وتركت كل شيء مكانه يعلوه التراب .. أغلقت الباب بإحكام ونزلت تجري هاربة من أشباح الماضي الراقدة تحت تراب الذكريات