هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

 arhery heros center logo v2

                    من منصة تاميكوم

آخر الموثقات

  • اليتيم المربي | 2015-02-14
  • وجهة نظر إيمي | 2007-05-03
  • لست جديرا بالبديل | 2021-01-23
  • طاقة الحياة | 2017-03-22
  • مفارقة الحلم والواقع في "طقوس المتعة" | 2021-05-16
  • ملكة الموڤ | 2024-05-05
  • إلى أميرِ كوكبي.. الجزء الثاني | 2024-04-17
  • الطبقة المثقفة المتوسطة | 2024-05-13
  • انت السبب ايتها المرأة | 2024-05-13
  • مُجرّد ذكريات | 2024-05-12
  • اللقاء الرابع مع د. عبد الحليم محمود في معهد نبروه | 2024-05-13
  • تفكّرتُ في العقل | 2024-05-06
  • وأفترقنا  | 2020-05-12
  • بحرا من ألم | 2024-05-13
  • تبوح عيناي | 2023-05-13
  • اللقاء الثالث مع الدكتور عبد الحليم محمود  | 2024-05-13
  • مش هلومك | 2023-05-12
  • الأرڪان السبـع للاتـزان النفـسي  | 2024-05-13
  • دمدم | 2023-06-29
  • حارة التيوس | 2024-05-13
  1. الرئيسية
  2. مدونة عبير عزاوي
  3. مقاربة فكرية فنية في مجموعة حمامة للقاص إبراهيم حافظ

يقول الشكلانيون الروس: “إن إخراج الشيء من متوالية الحياة إلى متوالية الفن يؤدي إلى تغريبه، وفي هذا التغريب يكمن الفن ، والتغريب إما يكون شعريا يعتمد على المجاز والاستعارة والصورة الخيالية، وإما أن يكون سردياً يعتمد على طبقات من الخطاب والحكي والعالم الخيالي الدال، بمعنى أن الأشياء التي تخرج من متوالية الحياة وترصف في متوالية الفن الأدبي إما أن تدخل في بنية شعرية ، وإما أن تدخل في بنية سردية .

قامت المعالجة الفنية في مجموعة " حمامة" على مجموعة من الآليات السردية التي تكاد تتشابه في كل المجموعة، وهذا ليس بضائر مادام النص يحمل خاصية التفرد في طريقة رؤيته واشتغاله في مستوى القول والإخبار، ولهذا ورغم الحيرة التي تصيب القارئ وهو يقرأ المجموعة حيث يتنقل بين نص يحمل بساطة الفكرة والعمق الفني، وبين نص يحمل عمق الفكرة والبساطة الفنية ، إلا أن ثمة خيط رفيع يجعلك مشدودا ولاهثا تبحث عن نقطة الوصول

القصة القصيرة في موروثنا النقدي هي ابنة الاقتناص، وابنة اللحظة الشاردة من الذاكرة، وهي كذلك ابنة اللغة الغارقة في الإيحاء، والاستعارية الصعبة، وهي أخيرا ابنة الرقص مع الفكرة والتغني بها وممارسة ملء الفراغات التي تتطلب قارئاً من نوع صعب وخاص.

في مجموعة حمامة ستجد تحديدا لزاوية الرؤية واتجاهاتها، والتركيز على عرض الشعور والتجربة الباطنية، والاتكاء على المجاز والكناية، الاسترجاع الزمني، والأسلوب .. واللغة المميزة بسهولتها وقوتها

وإذن فإن كاتب هذه المجموعة استطاع التحرر من قيود النمطية وترك مساحة للقارئ لكي يلقي بظلال فكره ونفسيته وتجربته الخاصة ليتلمس في تجربة الكاتب انعكاسا عميقا متعدد الأطياف لتلك التجربة ودلالتها، انسانياً وفكرياً وفنياً.

إن النص لدى الكاتب يشبه تماما رحلة لا يمكن أن تصل دون نقاط مضيئة، ترسم خارطة طريق للتجربة القصصية، فأنت أمام خيار التصديق وعدم التصديق، وبين الفهم وعدم الفهم، كل ذلك هو نتاج تلك المعمارية التي كان يختارها لكل نص، هنا مكمن كفاءة الكاتب. قد يرى البعض أن بساطة الموضوع ستفضي حتما إلى وحدة الانطباع، لكن هذا لايمنع أن يقع القارئ فريسة مراوغة الكاتب الفنية ومتانة البناء السردي الذي لم يتوفر في كل النصوص، لكنه شكل الطابع العام للمجموعة، فالكاتب يدخلك في عالم الشخصية دون أن يلامسها أصلا، فقد اتجه النص نحو خاصية الغوص في عمق الشخصية النفسي وصور صراعها من أجل البقاء ففي قصة " حبل نجاة" نجد الكاتب يصور مواجهة مرتقبة مع أفعى شرسة، هذه المواجهة ستتطور لصراع ذي مستويين واقعي ونفسي من خلال توظيف تقنية الحوار مع الذات والتساؤلات المليئة بالشك والتوجس يقول الكاتب على لسان الشخصية" أين كانت مختفية عنه طيلة يومين؟ وكيف ظهرت أمامه الأن فجأة؟ من أين خرجت واقتربت منه إلى هذا الحد؟ وكيف لم يشعر بها وهي تسعى إليه وتقترب منه؟ والأهم الآن كيف يهرب منها وينجو بنفسه قبل أن يفكر بالعودة للقضاء عليها .....كيف وصل الأمر بينهما إلى حد التفكير في تخلص كل منهما من الآخر ولم يكن بينهما لقاء قبل اليوم"

ولعله من المنطقي أن يرد تساؤل مشروع في ذهن القارئ من هي هذه الأفعى التي قابلها الكاتب بعد نوجس ولم يكن قد سبق له وقابلها ، هل هي أحد مخاوفه العميقة؟ أم أنها خطر محدق به يلازمه منذ زمن ولم يكتشف إلا حديثا؟ هل هي تهديد خارجي أم نابع من داخله المضطرب.؟ ما نلاحظه في هذه القصة دقة الوصف ورصد التحولات النفسية للشخصية، وبناء الحدث بتمهل ومهارة، القوة في التدفق السردي، ومتانة اللغة .

أما في قصة " في بيتنا عش" فيستخدم الكاتب ثيمة اجتماعية إنسانية، تبث الدفء والأمل من خلال انتظار أسرة مؤلفة من أب وأم لمولودهما الأول، فيقدم الكاتب معلومات علمية متنوعة جعلت القصة أقرب للمقال القصصي وهذا أحد الأشكال التجريبية الحديثة للقصة القصيرة، ورغم أن الثيمة مكررة لكن معالجة الكاتب اتسمت بالجدة والعذوبة وقوة اللغة من خلال سارد ذاتي ولغة متينة سلسة تحاور عقل القارئ وتدغدغ مشاعره المفعمة بحب البقاء والاستمرارية.

ويتابع الكاتب استخدام السرد الذاتي في قصته " لا تأكلوا الفرموزة" من خلال ذكريات قاتمة لخبير تربوي ورصده لمواقف من طفولته أثرت به ورسخت في ذهنه عميقاً وتركت أثرها في جوانيته ولم يتخطاه، ليخلص الكاتب إلى نتيجة مفادها أن الإخفاق أمر طبيعي في حياة البشر كما النجاح ولا تثريب عليهم طالما أنهم لا يستسلمون له ويجاهدون أنفسهم لتجاوزه، نجد في القصة مبالغة غير مبررة في وصف المعلم ويكفي التركيز على صفات بعينها تبين صفاته النفسية وتخدم الموقف الذي يبرز معاناة الكاتب معه.

 وفي قصة "فلافسة" يتابع الكاتب استخدام السارد الذاتي لكن على طريقة الكاتب التركي عزيز نيسن الساخرة وقد وظفه الكاتب للكشف عن قدرات الأطفال واعجابه بعالمهم وقدرته على الغوص فيه ودعوة إلى عدم الاستهانة بهم بل التعلم منهم وأخذ العبر من خلال أسئلة وجودية يطرحها الأطفال تظهر شقاوتهم وعفويتهم التي تقرر كثيرا من حقائق الحياة.

في قصة " فكر / تر" يتناول الكاتب التجربة القصصية نفسها من خلال محاورة أدوات التجربة في تقنية ميتاسرد يحاول من خلالها توظيف تقنية الذكاء الاصطناعي لمحاولة إيجاد حل مقنع للحبكة التي يزمع استخدامها للقصة في مجاولة تجريبية ناجحة على حد بعيد.

ويعود الكاتب لسرد ذكرياته في أسئلة تتركز حول الذات وانعكاس الحياة والتجارب الأولى وأثرها العميق في الذات المبدعة وذلك في قصة " أقصر حوار صحفي" وهي من قصص المجموعة التي تميل للتجريب. مثلها في ذلك مثل قصة "شركاء في القتل" التي تتميز بطابع تشويقي مثير فالكاتب يشعر بامرأة تتبعه مما يثير غيرة زوجه وتتجاذب القصة مجموعة من الاحتمالات والايحاءات وبدت قدرة الكاتب على رصد الحركات وأدق التفاصيل. لكن السرد أفلت من قبضة الكاتب فجاة فمال إلى تطويل لا لزوم له ويمكنه أي الكاتب أن يكثف السرد ليضمن بقاء توتر السرد في مستواه العالي الذي يستمر في جذب القارئ وتشويقه.

في قصة "الزرافين" يرصد الكاتب بمهارة لحظات مشدودة بخيط رفيع بين الأزمة وانكشافها. ويعري المأساة الإنسانية الوجودية التي يقع الانسان ضحيتها حين يستسلم لظلام الفكر وضلال الرأي.

ولايفوت الكاتب أن يعرج على ثيمة أخرى وهي "الأنسنة" في قصة "في بيتنا أشباح" حيث يرصد انعكاس الهم الإنساني المؤلم والعميق والذي يستشعره الجماد وينفعل به في محاولة لتخفيف أعباء الحياة وشدة وقعها وظلمها للإنسان ولكن الكاتب لم يوفق في إثارة التعاطف المطلوب وذلك بسبب المباشرة في الطرح والتقريرية التي حكمت بناء الحبكة وسيطرت على اللغة وأعاقت تدفق السرد.

في قصة " حمامة" يكشف الكاتب بألم شخصي ظلم الانسان وهمجيته التي أدت لتدمير مدينة سعيدة، آمنة، ورسم شخصية الحمامة بكل اقتدار لتضم مجموعة ثرية من الرموز فهي حمامة السلام ورسول الحب وأيقونة التفاؤل ولكن ماذا حدث لها لقد ماتت وهي تحاول إنقاذ سجانها ، ماتت وهي تحاول جر البشرية إلى شاطئ الأمان ودفعت حياتها ثمنا لبطولتها ومبادئها وهنا يمجد الكاتب كل الأبطال الذين تمثلهم الحمامة بل هو يمجد مفهوم البطولة في عالم تتصارع فيه المصالح وتسوده لغة المنفعة والأثرة دون اعتبار لقيمة الانسان كوجود أعلى وأثمن من المادة.

وفي نهاية استعراضنا لقصص المجموعة بثيماتها المتنوعة وماهية سردها وآلياته المتنوعة يمكن أن نجمل سمات أسلوب الكاتب الذي يؤسس لبصمة أسلوبية خاصة به ومن هذه السمات:

- التكرار والانعكاس وتبدو هذه السمة في قصص الزرافين وشركاء في القتل وفي بيتنا عش

- القلق الوجودي والأسئلة الكبرى المتعلقة بسر الوجود الإنساني مثل لاتأكلوا الفرموزة، والزرافين وفلافسة

- التواشج الأدبي والفكري بين الحاضر والماضي والمستقبل في قصص اكتشاف، فكر /تر

- التمازج بين الوصف بالسرد " "

- استخدام تقنية الاسترجاع مثل: “يا من ألهمني حب الحياة، أتوق لرؤيتك، فانتظرني في الثامنة مساء”، والطويلة كما في كثير من القصص مثل : طيف يشبهك”

- استخدام نظام التحفيز النفسي في تعليق النص على أفق انتظار يأخذ القارئ نحو منيه التوقع والتخمين كما في قصتي "حبل نجاة " و" شركاء بالقتل" حيث وظف رمزية الأفعى/ الأنثى والقطة / الأنثى لتشكل قوة حاملة للنص، ضمن إطار الموروث الشعبي لهذين المفهومين الرامزين اللذين عادة ما يشيران إلى قوة الحياة، والبعث والولادة و التجدد

- في قصة "حمامة " التي لا شك أن البطل فيها هو الكاتب نفسه، وفيها نرى حافز السلام يتجسد من خلال تضحية وسلام داخلي تمثله الحمامة المتصالحة مع سجانها، والمضحية في سبيل مبادئها، حيث تكسر أفق توقع القارئ وتحمله إلى عالم مثالي يبدو طوباويا بامتياز.

- ظهور الكاتب في بعض قصصه ، وعلو صوته على بعض الشخصيات، ومع ذلك فإن خاصية التخفي والتجلي السردي، لم تكن بالكفاءة المطلوبة، حيث تبين أن البطل هو الكاتب من خلال عاملين أساسيين: الأول، وحدة الموضوعات وتكرار الثيمات فالعديد من الأبطال يتبنون الأفكار والمشاعر والاتجاهات والقيم نفسها رغم اختلاف الموضوعات.

- والثاني، اللغة نفسها حيث نجدها في مساقات متشابهة خصوصا في الموضوعات ذات االسرد الذاتي الاستذكاري والعودة إلى مناطق قصية في الذاكرة الطفولية.

- عناوين النصوص كانت مخاتلة جدا، إلا أن الكاتب أكد حضوره الاتساتي والفني في معظمها

- امتزاج اللغة السردية باللغة الاستعارية وترطيب السرد بلغة شعرية أثرت أحياناً على سيرورة الفعل السردي وحركية الحدث

- غلبة الرؤية المصاحبة و الراوي الذاتي مع ظهور مميز ل ضمير ال “هو” في تناوب بين القصص، وتداخله مع الرؤية الداخلية أو ضمير الأنا بشكل بديع، ربما يعكس هذا التداخل رغبة الكاتب في توجيه النص نحو التأثير و التأويل معاً.

- معظم الحوارات تجري في لا وعي الشخصية إذ يجسد الحضور والغياب في آن واحد ، ليعطي فرصة لتنامي الأحداث كما في قصة اكتشاف وقصة في بيتنا أشباح، وهو اكثر ما برع فيه الكاتب حيث يحلو له أن يتسلل إلى العوالم النفسية لأبطاله ، والبحث عن ماهية السلوك البشري، ودوافعه ومبرراته وجنونه أحيانا

- رسم الشخيصات لا تتخذ نسقا متنوعا، بل كانت في معظمها ثابتة ، ربما لطبيعة الإطار السردي الذي يضعها فيه الكاتب، فنجدها تنتهي كما بدأت ، أو تبدأ كما تنتهي، عدا بعض القصص التي رأينا فيها الشخصية تتبادل حالة من الانقلاب على مستوى أفكارها أو قناعاتها، فلا يوجد ما هو داخل ضمن الزمن السردي للشخصية

- يتكئ النص على الطيف أو حضور شخصية خفية تشكل المحرك الإبداعي للشخصية الأساسية وللحدث كلازمة في كثير من قصص المجموعة من أجل أن يمثل جسرا للعبور نحو الماورائيات كل ما هو هلامي غير واضح المعالم كما في قصة " شركاء في القتل“

- تغيب في قصص المجموعة أسماء الشخصيات عدا ما يشير إلى السلوك والصفات، وهذا يعطي دلالة على وعي الكاتب بكون الشخصية في القصة القصيرة مجرد خيوط وأيقونات مختصرة لكل ما هو خارجي أو نمط

القصة القصيرة كتابة صعبة وهي تحد صارخ مع شهوة الحكي ، والميل الشديد للبوح ، إنها لحظة فاصلة واصلة تقول الكثير بأقل ما يمكن من كلام. أن تمسك بتلابيب الفكرة فتخفي كل خدعك التي توهم القارئ أنها موجودة قبل أن تكتبها وتورطه في لعبة الاكتشاف والتأويل ولاتتركه إلا محبوس الأنفاس وأنت تطبع بسردك على عقله فلا تغادره أبدا وتبقى قصتك تتردد بينه وبين نفسه مرة بعد مرة، تتخمه بالفكر والوعي والجمال وسطوة القص القديم المتجدد.

 

 

 

 

 

 

التعليقات علي الموضوع
تعليق واحد حتي الآن
المتواجدون حالياً

471 زائر، و2 أعضاء داخل الموقع