هل كانت ثورة يناير "نكبة" كما يحلو للبعض أن يسميها ؟؟

في رأيي الخاص لا بالطبع ..، بل بالعكس .. لم يكن من الممكن أن يعرف المجتمع المصري حجم السلبيات والإيجابيات التي وصل إليها إلا بهزة سياسية تقلب مكوناته رأساً على عقب ..، و تبدأ المواقف في فرز الشخوص والإتجاهات لتترك بذلك حيثيات الحكم للتاريخ !

قبيل ثورة يناير كان الوضع شبيه ببحيرة راكدة من الماء الآسن .. الامن مفروض لان الدولة البوليسية لا تتحدث إلا لغة القمع ..، إياك أن تتكلم ..أن تشارك .. أن تفكر !

كانت السياسة هي الشيء الوحيد المحرم على الشعب !..، نعم الشيء الوحيد لأن الدولة التي لم تفكر في محدودي الدخل إلا في شعارات الحزب الحاكم لم تترك لهم مجال لتصريف أمورهم الحياتيه إلا بالتحايل على القانون بشكل أو بآخر ..، وإذا كان الكبير يتحايل بعلاقاته فإن الفقير كذلك لن يعدم وسيلة للضحك على الحكومة التي تضحك على نفسها وتنشر في صحفها القومية إنجازات لا يلمس منها المواطن الفقير إلا الفتات

بدأت الطبقة الوسطى في التآكل السريع ليظهر بذلك الخط الفاصل حاداً سميكاً بين طبقتين فقط الغنى الفاحش والفقر المدقع ..، بدأت صناعة السينما في الانحدار لأن لغة البحث عن المال أصبحت هي السائدة فالغني يبحث عن الزياده والسلطة والنفوذ .. والفقير يبحث ليستر عورته وفي مطحنة الحاجة المادية انهارت خلقيات كثيرة وانزوت عادات وتقاليد أصيلة بالكاد نذكرها كلما شاهدنا أحد أفلام الأبيض والأسود !

كان لابد من زلزال يجعل الكل يستفيق من دوامة الحياة ..،

كان لابد أن يصرخ المواطن أن كفى .. هناك من يعيش في هذا الوطن بعيداً عن حسابات رجال الأعمال الذين لا يفرقون بين الوطن والشركة ..،

كان لابد للشرطي أن يعرف أنه ليس سيداً لعبيد المواطنيين ..، وأن يعرف الشعب من هم نخبته الراقصة على أوجاعه من منهم صادق ومن منهم أفاق يهدف إلى وراثة كرسي الحكم فقط ..، وأن يعرف العالم أجمع قدرة مصر على الثبات وما أعدته طوال سنوات السلام التي أتهم فيها الجيش بأنه قد نسي السلاح واهتم بالصناعات المنزلية !

بعد زلزال يناير .. تحطم القيد الحديدي للدولة البوليسية فانطلق الشعب المكبوت يعبر عن نفسه كل حسب وعيه وإدراكه لحاجته .. شهدنا مظاهرات فئوية كثيرة وكذلك مظاهرات للأقباط يطالبون فيها بحقوق طال السكوت عليها ..، وطالب سكان سيناء والنوبه ببعض الحقوق المسكوت عنها ..

وكذلك انطلقت الأحزاب والتيارات في سباق للوصول إلى كرسي الحكم الذي كانت الغلبة فيه لجماعة نشأت وتربت على صفقات سياسية بينها وبين السلطات حتى أجادت (اللعبة) السياسية وورثت كرسي الحكم الذي لم يؤول بطبيعة الحال لأي تيار آخر حديث محدود الشعبية ..

شهدنا في عهد الإخوان تكبر وتسلط باسم الدين وإباحة العداء والقتل وكراهية الآخر شريك الوطن فقط لأنه (معارض) للجماعه التي اعتبرت نفسها الحاكم بامر الله في الارض !

لكن بعد انحسار الكابوس الإخواني .. وجدت أن لغة الكراهية ما زالت موجودة بيننا ولكن بمسميات ووجوه مختلفة ..

ما زال التيار الثوري يكره (العسكر) ويشكك في نواياهم ..، وما زال أنصار الجيش يسمونهم (خونه ) ! ويجمع الاثنان على ان الاخوان ( إرهابيين)

وحتي في نفس التيار هناك من الثوار من يخون بعضه بعضا ..، وبين أنصار الجيش من يختلف لان ولائه لشخص وليس للوطن سواء كان شخص رئيس سابق أو مرشح رئاسي سابق


ولكل طرف الحرية المطلقة في التشكيك في وطنية وأخلاق وثوابت الآخر والباب مفتوح على مصراعيه للكثير من المزايدات والكذب والتحولات الانتخابية التي تهدف لتعبئة الأصوات بصرف النظر عن القدرة على الإدارة

(عاين موقفك السياسي ستجد كما من المتناقضات لا بأس به فأنت راض في تيارك عن أشياء ما كنت لترضاها في الآخر المختلف معك )

لا استثني أحداً وأولهم نفسي .. جميعنا مرضى بثقافة الكراهية ..، الكراهية على أساس الإختلاف الديني أو السياسي أو المذهبي أو حتى الأصل وبلد المنشأ !

تتجلى كذلك أمراض المجتمع جلية بأن ثورة مات فيها شباب كثر ولم يزل يقتل كل يوم شهيد .. لم تنجح في تغيير أخلاقيات المصريين التي تنحدر يوما بعد يوم فالأفلام شبه الإباحية ما زالت تحقق أعلى الإيرادات .. ،

الشتائم التي كانت تعد عيباً كبيراص لا يقال إلا في مشاجرات الأزقة و(غرز) الكيف ..، أصبحت شيئاً عادياً تماماً بل إنها أصحت موضة لا تستثني طبقة من الطبقات ولا مناسبة من المناسبات ..،

كل ما حدث بعد الثورة أن الشعب تكلم .. تكلم ليقول أسوء ما عنده .. تكلم ليقيء صديد أخفاه بداخله سنوات .. لم يعد ثمة ما يخشاه .. سقطت ثقافة (الكبير) فصار التعدي على رؤساء العمل والمسئوليين بل والفنانيين نوع من الثورية !

صار اتهام الآخر في ذمته لمجرد الشبهه هو القاعده فهناك شعارات تنتشر بأن المواطن هو السيد .. نعم المواطن هو السيد ولكن أي مواطن؟؟ هل هو المواطن الصالح المنتج أم العاطل حامل (المطوة) الذي يجيد فن قذف المولوتوف على الشرطة ؟؟؟؟؟

ثقافة الكراهية .. إنهيار فكرة الكبير .. ذوبان حدود المعايير لتمتزج مع الهوى في مزيج كريه يحاول تصويره في صورة (رأي سياسي ) ..

شيمة مجتمع يفتقر إلى الثقافة .. سلبي .. مكبوت وجد متنفسا فانفجر ..، ثم يكفر عن كل خطاياه بانتخاب اللحى عسى تنجح في إصلاح حاله !

مجتمع تائه .. يبحث عن هدف لا يملك أدنى فكرة عن كيفية الوصول إليه !

الثورة أطاحت رأس الهرم الفاسد وأبقت صغار الفاسدين - ومعظمنا فاسدين - فبقي الفساد على حاله ..،

ننتظر أن يهبط سوبر مان من السماء ليفكر عنا ويعمل لنا ويعطينا حقنا في ثرواتنا المسروقة ..،

برغم كل شيء لم أفقد الأمل ..، ولازلت أرى يناير ثورة كانت لابد منها لنعرف أين نقف بالتحديد ولنواجه أنفسنا بكل مساوئها بدون تجميل إعلامي يداري الواقع ..،

لازلت ألمح في آخر الطريق بصيص أمل - غير مبرر- يخبرني بأن هذا الوطن سيأتي يوم يتغير حال المواطن فيه إلى الأفضل بإذن الله ..

إلى هذا اليوم .. لكم مني التحية :)