خرجت "منى" من غرفة الصديقات مطأطأة الرأس دامعة العينيين وقد أحيا الإسم فيها ما لم يمت بعد ..، فاصطدمت رغماً عنها بزميلتها "سارة"
ارتبكت الفتاة وهمت بالإعتذار لولا أن ابتسامة "سارة" الغريبة الجمت لسانها ففرت من أمامها بخطوات واسعة ،،
وقفت "سارة" تتابع "منى" بنظرات خاوية ثم تنهدت ودفعت الباب باتجاه غرفة الصديقات ..،
الضحكات الأنثوية تعلو مع بعض الدعابات الماكرة ..، كل ذلك توقف فوراً عند ظهورها !!
حاولت أن تبتسم وهي تلقي عليهن تحية ردت إليها بفتور واضح ..، كما لفت انتباهها كرسي فارغ لم يدعها أحد إليه ..،
فهمت أنها غير مرغوب فيها ولم تتجاسر على فرض نفسها أكثر من ذلك فخرجت تجر أقدامها تشيعها نظرات بين الاشمئزاز والشفقة وتشملهما
- "هذه الفتاة مرآها يثير في جسدي القشعريرة" !! هكذا قالت "وسام " وهي تدلك ذراعيها و على وجهها علامات الإمتعاض !
سمعتها "سارة" وقد همت بإغلاق الباب من خلفها .. فابتسمت في حزن ،،
توجهت إلى المصعد عاقدة العزم على تقديم إذن بالإنصراف إلى مدير العمل .. إن الغد راحة وهي بحاجة لوقت تختلي فيه بنفسها ..،
وصل المصعد إليها محملا بالكتل الآدمية كالعادة ..، فدلفت على استحياء وهي تحاول قدر الإمكان تحاشي الجميع ..،،
في الطابق الأعلى دخلت كتل آدمية أخرى من العاملين بالمصلحة دفعت بها إلى الخلف وحولها تزاحم الركاب ..،
تحولت إليها السيدة السمينة التي تقف أمامها معتذرة بابتسامة واسعه : " معذرة لو بالغت في التحميل عليك حبيبتي .. كما ترين المصعد كله رجال ونحن نساء "
ابتسمت سارة إبتسامتها الحزينة المعتادة وتمتمت قائلة " نساء .. نعم " !!
=================================
قالت لها الطبيبة وهي تغسل كفيها عقب الفحص : إن حالتك من الحالات النادرة صدقيني لن تجدي أي عملية جراحية ومن الأفضل أن تتأقلمي على وضعك قدر الإمكان ..، حالتك نادرة لكنها ليست الوحيدة !
سالتها وهي تعدل من ثيابها : ماذا عن الزواج ؟
تهربت الطبيبة من عينيها ثم قالت بعد صمت : في البلاد الأوروبيه يتم التعامل مع حالتك هذه بوعي أكبر من المجتمعات الشرقية ..، هنا لا يتقبل الناس فكرة "الجنس الثالث " أو المولود الخنثى ..، ربما يفيدك طبيب نفسي أثق فيه سيقدم لك دعماً معنوياً تحتاجينه في الفترة القادمة ..،
ثم خطت في ورقة بعض المهدئات الجنسية وفي ظهرها عنوان ورقم الطبيب النفسي ..،،
عذاب أن يعيش الإنسان بروحين في جسد واحد ..، يفكر كرجل وفي نفس الوقت يفكر كأنثى ! يميل إلى النساء وفي نفس الوقت تميل إلى الرجال كاشتهاء طبيعي ..، بينما في الواقع هي منبوذة من كلاهما !!
لطالما حاولت في طفولتها تكوين صداقات ..، لكن الأمر لم يسلم من وقت تنكشف فيه الحقيقة أو تلوح للصديقة فتفر هاربة تاركة جرح عميق في نفس آدمية لم تطلب إلا حقها في وجود أنيس ..،
لكنها لا تلومهن .. بل إنها تتمنى لو أن هناك حل يمكنها من الهروب من المسخ الذي تعيش معه في جسد واحد
كانت مراهقة مرهقة للغاية ..، تلك التي كانت تسمع فيه بحكم تكوينها الخارجي أحاديث الفتيات عن مظاهر البلوغ ..، وتمايلهن في الحفلات أثناء الرقص أو في البحر برداء البحر بينما هي لا تستطيع هذا ولا ذاك بل ولا حتى يمكنها المشاهدة ..!!
امتدحها العديد من أهالي الصديقات كمثال للفتاة الملتزمة والهادئة لكنها كانت بقدر الامكان تحاول إخفاء فوهة البركان الذي يغلي تحت قناعها الملتزم الصخري و الصلب
ذات يوم حاولت ارتداء ملابس البحر الخاصة بالفتيات أمام المرآة ووقفت تضحك حتى دمعت عيناها
ثم انخرطت في بكاء عنيف ..،
يا للجنون كم تتمنى أن تكون حياتها بالكامل كابوس تفيق منه لتكتشف أنها انسان طبيعي ذكر أو أنثى
ولكن المرارة كل المرارة في حقيقة لا مناص منها ولا ملجأ
========================
توقفت "سارة" عن الكتابة فجأة ..، بعدما تساقطت دموعها على ورقة الإستئذان ..، ثم مزقتها وأخرجت ورقة أخرى ..،
وفي وسط السطر كتبت..
" إستقالة "