أوراق ملونة ..
فيم تستخدم هذه الأوراق ؟؟ ان مذاقها سيئ وملمسها خشن ..
إنه يفضل عليها تلك الأقراص المعدنية الرنانة لها صوت محبب كلما حركها في جيبه تصطدم ببعضها البعض ..!
يمد يده ليناوله بائع العصير الكوب المملوء باسماً : ( اشرب يا محروس بألف هنا ) .. فيجرع الكوب مرة واحدة تتساقط قطراته اللزجة على ذقنه وتبلل ثيابه .. لكنه لا يهتم !
بجواره طفلة صغيرة تنظر إليه في رعب وهي تتعلق بثوب والدتها التي تخرج تلك الأوراق الملونة لبائع العصير طالبة منه كوب من عصير القصب وآخر من المانجا المثلجة ..
يخرج من المحل هائماً على وجهه يتفرج بابتسامة على المحلات التي تراصت على جانبي الطريق .. كلما أعجبه شيء مد يده ليأخذه لم يمنعه أحد إن الجميع يعرفونه ويعرفون أباه ويعتبرونه (بركه ) تحل عليهم .. كل الناس طيبون وليس منهم من يؤذيه ..
إنه محروس .. إبن أحد أكبر مقاولي المنطقة والده من أقدم ساكنيها ويمتلك عدة عقارات تدر عليه ربحاً ليس بالقليل شهرياً ..،، لم ينجب من البنيين إلا هو وقدر الله أن يأتي ابنه الوحيد مريضاً بالتخلف العقلي ولا أمل من شفاؤه أو تحسنه ..
عرف في الحي ببدانته الشديدة وبطيبة قلبه وابتسامته التي لا تشفع له في قلوب الأطفال فكان مرآه مثيراً للفزع لذا لم يحظى بصحبتهم قط ..
في الواقع لم يكن له أصحاب قط إلا القطط ..! من العسير أن تراه بلا قطة في يديه أو على كتفيه أو ورائه !
عانى أبويه معه كثيراً .. لطالما انتابته نوبة الهياج الشديدة فراح على إثرها يكسر اثاث المنزل ويزمجر بصوت عال ثم يترك البيت راكضاً الى الشارع ولا يعود إلا بشفاعة فاعل خير يلاطفه ويلاعبه ...
قبل أن يبلغ الثامنة عشرة .. توفى محروس ..
غير أن البيت الذي سكنه لم ينساه ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
(( حياة جديدة .. حياة قديمة
ما خرج أحد وعاد من جديد...
إلا سعيدة تزوجت سعيد ..
وعاشا كريماً حياة كريمة ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
الحقيقة أن العقارات تستبدل كل فترة سكانها .. إلا سكان عقار " محروس " .!
منذ زمن بعيد والسكن في هذا العقار يورث ..، قد يقول البعض أنها الأزمة الطاحنة للسكن وأن الإبن دائماً يزيح أبويه ليحل محلهم ..،، يمكن أن يكون هذا مقبولاً فقط لو تجاوزنا عن ضيق المساحات التي لا تغري بالسكن وكذلك عن المنطقة النائية .. وحاول ان تسد أنفك عن الرائحة البشعة التي تنبعث من البدروم ..!
هل تغاضيت ؟؟ إذاً لا تبحث عن سبب معقول للقطط التي استوطنت هذا العقار تحديداً .. وكذلك لا تسأل عن أرغفة الخبز الطازجة التي يجدها بعض السكان كل فترة على باب منزلهم .. فقط حاول ان تلقيها في القمامة وانت تبسمل وتحوقل وتقرأ المعوذتين وآية الكرسي قدرما استطعت ..
لم تكن " إسراء" تعرف شيئاً من هذا عندما سمعت مواء قطة في الشقة التي تقع أسفل شقتهم في عقار محروس .. مواء حزين طويل يمزق نياط القلوب .. من الذي أدخل هذه القطة المسكينة في الشقة المهجورة التي يتحاشاها كل سكان العقار ؟؟
طرقت باب الشقة المقابلة لها .. خرجت السيدة " أم عنايات " وهي عجوز شمطاء غريبة الأطوار من ذلك الطراز الذي لم يدع بنتاً في الحي لم يخوض في عرضها وينثر حولها الشائعات .. من نفس الطراز اللزج الذي يقتله الفضول لمعرفة كل أسرار البيوت وتدخلها فقط لتلعب دور وكالة رويترز للأنباء ولكن بشكل أقل مهنية وأكثر وضاعة !
- من فضلك يا طنط حد يخرج القطة اللي في الشقة دي معرفش مين دخلها ؟؟
تأملتها بنظرة نارية ثم قالت بصوتها الغليظ : دلوقتي تخرج !
ثم رفعت عقيرتها تنادي على ابنها أحمد ليفتح الباب ويخرج هذه القطة ..،،
ازدردت " إسراء " لعابها ثم حيت السيدة وصعدت الى بيتها ..
إنه ذلك الإحساس الذي ينتابنا فجأة بلا سبب عندما تشعر بأن أحدهم يثبت عيناه عليك من الخلف .. يراقبك .. تشعر به الآن
الواقع أنها لم تكن ترتاح أبداً لهذه السيدة ولا تعرف كيف تقربها والدتها وتأتمنها على ما هي ليست أهلاً له ..!
صعدت إلى شقتها وأغلقت الباب وهي تقاوم القشعريرة الباردة والإحساس بالإشمئزاز الذي ينتابها كلما رأت هذه السيدة
كانت هذه الليلة الأولى التي سمعت فيها مواء القطة أسفل شرفة غرفتها التي تطل على السلم
وكانت كذلك الليلة الأولى التي تسمع فيه الهسيس ينادي باسمها ..!
يتبع ،،