السلام عليكم و رحمة الله
في القطار رقم 568 قابلته ....
قادني رقم المقعد المدون في التذكره الي الجلوس الي جوار شاب "ثلاثيني" منهمك في استخدام جهاز حاسبه الشخصي المحمول ... و المتصل بالانترنت
حاولت جاهدا ان لا انظر الي شاشة حاسبه باعتبارها امور شخصيه ... الا انه رغما عني لاحظت انه يتصفح مواقع شركات الطيران ... ثم لاحظته يصور بعضا من نتائج بحثه بكاميرا "الموبايل " ... ففهمت انه يريد ان يحتفظ بالصفحه .... فققرت ان اتدخل و نصحته ان يضع الصفحه في المفضله favorites
ثم بدأنا الحديث و "الثرثه" ... و ساعدنا ان شحن بطارية جهازه الحاسب قد فرغت ... فتفرغنا لتجاذب اطراف الحديث ... طوال الرحله
كان شابا "مؤدبا" لبقا في الحديث ... و كان عائدا لتوه من "كورس" في اللغه الالمانيه في الاسكندريه استعدادا للسفر الي المانيا لاستكمال دراسة الدكتوراه في الادب الانجليزي ضمن منحه المانيه و تحت اشراف مصري الماني مشترك
تبادلنا التعارف فكان هو حماده حسنين ابو الفتوح المدرس المساعد بقسم اللغه الانجليزيه بكلية التربية جامعة المنصوره
في بداية حديثنا اعربت له عن استغرابي كثيرا ان يدرس الدكتوراه في الادب الانجليزي في المانيا ... و ليس في انجلترا او امريكا مثلا !!... فاخبرني ان ذلك شيئا عاديا و مطروقا و انه سيدرس الدكتوراه في الانجليزيه و باللغه الانجليزيه لكنه يجب ان يتحدث مع اساتذته بالالمانيه نظرا لاعتزازهم الشديد بلغتهم (عقبالنا) .. :)
كان الحوار ممتعا و جميلا و "روتينيا" حتي تطرقنا الي موضوع رسالة الماجستير التي اتمها و التي ينوي ان يكمل عليها دراسته للحصول علي الدكتوراه ... و كنت متوقعا ان يخبرني - كالعاده- بتناوله شيئا متخصصا في الادب الانجليزي كأعمال شكسبير مثلا ... الا انه فاجئني بان رسالته كانت عباره عن دراسة مقارنه لغويه في مدلولات نص القرآن الكريم ... و تحديدا حول قصص سيدنا يوسف و سيدنا موسي
زاد استغرابي لاني لم استوعب كيف تكون دراسة الماجستير و الدكتوراه في اللغه الانجليزيه حول نص عربي .... !!
فحولت جل انتباهي للدكتور حماده ... و تركته يشرح لي ...
و لا اخفي عليكم ... كنت اشعر بالفخر الشديد و انا استمع للايضاح الرائع و الشرح السلس للدكتور حماده ... و هو يتحدث عن القرآن الكريم العظيم .... و مدي اهتمام علماء اللغه بنصه المعجز ... لدرجه ان نظريات حديثه في علم سرد القصه ظهرت مؤخرا ... ليجدوا ان القرآن الكريم قد استخدم هذا الاسلوب العلمي الدقيق في السرد القصصي ...
يقول د حماده ... ان العلماء الالمان ... قد توحدوا بان هذا النص القرآني بهذه التراكيب اللغويه الغنيه و بتعبيراته المتشعبه و مدلولاته الدقيقه لا يمكن ان يقوله بشر مهما كان ادبه و علمه ... و ان جانبا كبيرا منهم بدأ فعليا بالتحول الي الاسلام نظرا لدراستهم هذا الجانب اللغوي فقط في النص العربي للقرآن الكريم ..
اثناء حديثه معي (اقصد د حماده) قال تعبيرا ... اعتبرته تعبيرا عميقا بحق و معبار بقوه ... عندما قال لي : انه كان اعمي ... قبل ان يشرع في دراسة النص القرآني دراسة لغويه تحليليه .... ليكتشف بنفسه و هو المسلم "بالوراثه" مدي الاعجاز الادبي العظيم في هذا النص المعجز المحكم ... بالقياس العلمي البحت
بالقطع .. اسعدني كثيرا هذا الحديث "العلمي" مع شاب مهذب كالدكتور حماده ابو الفتوح ... و اسعدني اكثر الحديث العلمي عن القرآن .. فليست القضيه تعصبا للقرآن لاني مسلم ... و انما لان العالم مدعوما بالعلم يؤكد يوميا ان هذا الكتاب ذو 114 سوره هو كتاب معجز محكم لا يمكن ان يكون مكتوبا بيد احد من البشر .... انه لشئ جميل و مريح ان يأتي العلم بعلمائه الاجلاء علي اختلاف دياناتهم ليؤكدوا هذه الحقائق العلميه الرائعه
و للاسف لا تسعفني قدراتي ان انقل اليكم حواري مع الدكتور حماده لفظيا باسلوبه المتخصص ... لانه كان قد وضح لي بالامثله مدي روعة استخدام اللفظ و مدلولاته في القرآن الكريم .... و كيف يقوم العلماء بالمقارنة بينها ... فمن هذه الامثله ... استخدام كلمة قميص في سورة يوسف .... فيخيل للقارئ انه قميص واحد ذالك الذي قد من دبر ... او الذي اوتي عليه بدم كذب ... او الذي القي في وجه ابا يوسف ليرتد بصيرا ....
ايضا .... استخدام القرآن الكريم ... للفظ الجان ... و الثعبان .... و الحيه .... فالجان نوع من الثعابين بالغه الضخامه ... فكان استخدام اللفظ ليدل علي ضخامة الحجم ... اما استخدام لفظ "الحيه" فكان دلاله علي السميه الشديده .... اما استخدام لفظة ثعبان ... فذلك للتدليل علي السرعه ... و هكذا
انه استخدام محكم للالفاظ و مدلولاته في قرآننا المعجز العظيم .... فمن الامور التي اخبرني بها رفيق رحلة القطار ... ان احدي المؤتمرات العلميه قد ناقشت قضيه "وهن بيت العنكبوت" و شككت في هذه الحقيقه ..... او هذه اللفظه التي استخدمها القرآن الكريم حول بيت العنكبوت .... ليقوم احد العلماء باثبات ان حشرة العنكبوت هي الوحيده علي وجه الارض التي تأكل زوجها بعد عملية التلقيح ... و اولادها من بعده .... و ان هذه الصفات لا توجد في اي مخلوق علي وجه الارض .... ليكون استخدام اللفظ القرآني استخداما دقيقا يدل علي "الوهن الاجتماعي" لحشرة العنكبوت ....
و من اروع و اعظم ما يميز اللفظ القرآني ... انه يمكن ان يدل علي عدة مدلولات تتوافق مع كل المستويات العلميه للقارئ .... فالقارئ العادي عندما يقرأ لفظ "اوهن" .... يتبادر لذهنه ان بيت العنكبوت شئ واهي و ضعيف ... و هذا صحيح .. و عندما يقرأ المتخصصون اللفظ ... و يحللونه لغويا و علميا ... يكتشفون ما يرقي لكونه حقائق علميه عريضة المجال .... و هذا صحيح ايضا
هذه قبسات حاولت ان اكون دقيقا في نقلها اليكم من حديث جاري في مقعد القطار .... و الذي طالبته بنشر هذه الابحاث القيمه و خصوصا انها باللغه الانجليزيه .... ففاجأني بان رسالته في الماجستير قد نشرتها شركة امازون الامريكيه الشهيره و تبيع النسخه الواحده بسبعين دولا امريكي ..... و هذا هو عنوان رسالته :
A Semiotic Approach to Two Qur'anic Narratives: Joseph and his Brothers
و يعرضها موقع امازون الشهير لبيع نسخها علي الانترنت هنا
كان الحوار .... ممتعا و شيقا مع د حماده ... و كنت اتمني ان يطول اكثر ... لكنها محطة الوصول التي تأتي سريعا ... طالما انك وجدت رفيقا رائعا لرحلتك
قبل ان اختم .... فقد وجهت للدكتور حماده دعوه للانضمام لمملكة تاميكوم ... و قد وعدني لكنه اخبرني بحجم انشغاله "الرهيب" حاليا .... لكني آمل كثيرا ان يمر من هنا يوما
تحياتي
:)