دلف إلى ذلك المقهى المطل على البحر
المطل على ذلك المشهد الساحلي الساحر في تلك المدينة الساحلية الساحرة التي رست سفينته فيها منذ سنوات ..
تجولت عيناه في المكان و كأنها تبحث عن هدف معين
ابتسامة أسف حملتها تقاسيم وجهه وهو ينظر إلى تلك النقطة ..
إنها طاولته المفضلة ... طاولته التي جلس عليها مع أناس أحبهم ... أو ربما يظن .. ! رآها ترزخ تحت سيدة بدينة تحتسي الشاي في استمتاع .... و لم لا ؟! ... فهي طاولته التي يعرفها .. عليها تذوقت شفتاه طعم الاستمتاع مرات ... و مرات.
و بينما صوت عقله يحدثه بأن هذه السيدة لن تترك الطاوله الآن على أقل تقدير ... انتزعه صوت هامس من خلفه و كأنه لا يريد أن يزعج حواره الداخلي المحبط ...
- تفضل هنا يا سيدي
التفت إلى الصوت فإذا بنادل المكان يشير إليه إلى طاولة أخرى
ما إن رآها حتي هتف بشدة غير مبررة
- لا أريد ان أجلس هنا
تمتم النادل بضيق و كأنما لم يتوقع هذه النبرة .. براحتك يا سيدي
و تركه و انصرف
ظل واقفا ينظر إلى ما بين الطاولتين
إلى ما كان فوق الطاولتين ... نظر خلفه ليتأكد أن النادل قد اختفى وذهب إلى تلك الطاولة التي رفضها منذ لحظات ... ظل ينظر إليها دون أن يجلس ... أي سلوك مجنون هذا .. ثم ركز بصره إلى طاولته السليبة .. و سبحت أفكاره فيه ...
على الطاولة الأولى
قابلها..
حدثها..
ارتشفها..
واعدها ..
وعدها ....
أعطته إحساسا بأن القمر قريب .. وأن "الزهرة" على بعد خطوات ..
أعطته سلة من الإيماءات ... إيماءة بالموافقة .. و أخرى بالحب .. و أخيرة بالثقة ...
تذكرها حين طلبت منه أن يتوسط الطاولة ليتمركز أمامها
ليكون ملئ عيونها
لتستمتع بمشاهدة قسمات وجهه ..
هكذا قالت ..
أو هكذا سمع هو منها
على الطاولة الثانية
اتصلت به
قابلني
أريدك في موضوع هام
انقبض قلبه
كذب إحساسه الصادق دائما
أقنع نفسه بأنها تمزح
بأنها تختبره
بأنها تغازله
هب إلى ذات المقهى
وصل مبكرا
جلس على غير الطاولة التي يجلس عليها معها
رجليه أخذت تهتز و كأنها مصابة بالرعاش ... هي عادته حين يتوتر
أطلت في بهائها
أو هو يراها بهية
جميلة
لكنها لم تكن كما هو يعرفها ..
تقدمت إليه
صافحته في توتر حاول تجاهله
- أتشربين شيئا ؟
- طبعا سنشرب و نتحدث .
- ماذا هناك
- أنت تشعر ،أنت تحس .
زادت وتيرة قدميه في الاهتزاز
- أحس بماذا ؟
- أنت تعرف
- هل انتهى كل شيء؟
- نعم للأسف... لقد اكتشفت أن كلينا لا يناسب الآخر !!
تمتم بكلمات لا يتذكرها ثم صمت ...
- تسمحين لي بالانصراف؟
غادر المكان ...
أسرع الخطى
أسرعت خلفه
خفق قلبه
هل ستقول أنها تمزح ,
أنها تهذي
أنها ليست هي ؟؟
التفت إليها و هو ينتظر الأمل الأخير
- لا تغضب مني ..
تبخرت آخر الآمال ..التي لم تغنها آمال ماهر ..
أسرع الخطى
و لم يولي ... فقط قلبه ظل هناك ..
- سيدي لقد فرغت الطاولة ... تستطيع الجلوس عليها
التفت فجأة إلى النادل ... و ابتسم
- أشكرك
توجه إلى الطاولة الأولى ... جلس ... وضع حاسبه المحمول فوقها
و أخذ يختلس نظرات إلى الطاولة الأخرى
طاولة نهاية القصة
طاولة القرار و الإقرار بأنه ليس مناسبا
و ما بين طاولتين
بدأت قصة و انتهت برصاصة
- سيدي ... أتشرب شيئا
- بالطبع نعم ... أحضر لي ..... كوبا كبيرا من عصير الليمون ؛
أو لا تحضر شيئا
سأنصرف .